حبيب السامر
في قاموس كل أديب وكاتب خزين لغة يتجدد، يحاول أن يعززه ويديمه خلال سِنِي حياته التي لاتقف عند حدٍّ معين، يغمس قلمه في دواة التجربة المعيشة، وهو يسعى إلى التلاعب بهذا المخزون بمختلف أدواته لمجاورة بعضها بالألغاز والأقنعة أحياناً ونثر مثابات الوضوح والمباشرة المتلبسة بواقع يفرضه أحياناً أخرى، بعيداً عن تقييد مفهوم الخطاب وتكريسه وفق استراتيجية تنظر إلى عمق مدلولاته بمزايا التفرّد، منوهة إليها بإشارات تثير وسائل التعامل المكثف مع الظواهر الأسلوبيَّة والتحليليَّة، لطرح مستويات تناقش العمق الإنساني للحالة التي يشرع فيها - الأديب - بالكتابة والتدوين وصقل الفكرة، وصولاً إلى إغواء المتلقي وسحبه إلى منطقته وفقاً لميزة الإقناع التي تتفاوت بين كاتب وآخر، وفقاً إلى الروح المبثوثة على هيئة خطاب نصّي مكتوبة لتوحيد ماهية هذا الخطاب مستهديا ببواعث البلاغة المستخدمة في استدعاء الحالة على نحو إجراءات ترتقي بأسلوب خاص بعيداً عن النمطية السائدة واقتراح الممكنات في عملية بلورة الفكرة والسعي إلى تنضيجها بسمو الملحمة وغرائبيتها، وهي تأخذ الحوار الداخلي منحى لبناء هرمي بثيمات متآخية مع الخط البياني المتدفق والمتخذ من الإيحاء سمة بارزة توحي إلى تعددية الصور والمفاهيم وفق سياق النص.
تتخذ الدلالات التقنية المتصاعدة وجهات نظر متعددة لوناً مهماً في المعالجة النصّية، التي تشتغل على تخفيف حدة الفكرة وتحريرها من الأقنعة الزائدة التي يلجأ إليها الشاعر في صياغة مكنوناته الحسيَّة وفق لغة تعتمد تجريد منعطفات التوتر وتخليص روح الشعر من شوائب الراهن، ليكون خالصاً لوجه الشعر من دون غيره، مستخدماً الرؤية الفنية في رسم الصوت المنبعث من النص على شكل حركات تتابعيَّة مستثمرة الوقائع المحيطة بأشكالها والحركات التي ترفرف حول النص بأجنحة المغايرة وتتجسد في عالم الطبيعة، الحالة النفسيّة، الظواهر الحياتيّة، العلوم وتفرعاته، سيمائية الناس وهم يمارسون طقوسهم المختلفة، وتحويلها إلى مداخل مهمة في موضوعات مصنوعة تهتم بكل ما هو محسوس ليختزله الشاعر في اشارات كشفية تعتمد المراجع الفكريّة والحياتيّة وصياغتها في منظورها الخاص وصبها في دورق الشاعر، لتتصاعد أبخرة الكلمات والجمل وهي على شكل صور، رموز، استعارات، تداخل الأسطرة ليسجل تاريخ النص ولحظة ولادته ليشكل المنجز بعد تنقيته وتطهيره من الزوائد والأعشاب الضارة التي تنمو مع بذور النص الحقيقية، من خلال إعادة الكتابة والإنتاج، والسير بموازاة النص لمقارنته بالتدوين الأول وتفحص الفارق بين خطيّ الكتابة، حتماً سيظهر مقص الكاتب وممحاته ولون قلم التعديل، لتشتغل وقتها حرفة ومهنية وصنعة الكاتب التي توالدت بحكم التجربة التي لا تقف عائقاً أمام انتاج النص، بل عامل مساعد في بلورته بحكم القراءة له كقارئ بعيداً عن شخصية الكاتب له، وبهذا قد نغادر الكثير من الأنماط والمعايير الراسخة بل تتعداه إلى خلاصات تعتمد المستويات المتباينة في النموذج الصوتي والصوري من دون اللجوء إلى التكرار غير الناضج والتضخيم غير المبرر لبراءة النص، لذلك يبقى السعي الدائم والرؤيا الحالمة للكاتب في اعتماد المعايير والدلالات المتجانسة لإثبات أحقيَّة الطرح ومصداقية البوح وفق آليَّة الانعكاس الذاتي المهموس مع حركة الهواء وانسيابيَّة الأشياء المحيطة بمكان الكتابة ولحظة التدوين بحيوية مغنطة النص.