خيارات بايدن بشأن إيران
• غريغ بريدي
ترجمة: أنيس الصفار
بعمليَّة تبادل الأسرى في شهر أيلول الماضي بين الولايات المتحدة وإيران، وتحويل 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني، رفع منتقدو الإدارة الأميركيَّة أصواتهم مجدداً اعتراضاً على عقد أيِّ صفقة مع الحكومة الإيرانية. إلى جانب شروط الاتفاق المعترف به لتبادل السجناء وتحويل الأموال أصبح من الواضح أيضاً خلال الأشهر الأخيرة أنَّ هناك جهوداً أوسع تبذل لإقناع إيران بخفض وتائر برنامجها لتخصيب اليورانيوم وتخفيف حدة التوترات في الشرق الأوسط. كان الهدف من ذلك كله هو التوصل إلى "تفاهم غير رسمي" مع إيران عن طريق الجمع بين التشديد على "الخطوط الأميركية الحمراء" والإرخاء الملموس للعقوبات التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية بدلاً من التفاوض لتحقيق اتفاقية رسمية تكون خاضعة لمراجعة الكونغرس بموجب "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني". هذا النهج قد لا يحظى بدعم الطبقة السياسية في واشنطن من الحزبين، لكنه بغياب بدائل أفضل يمثل فرصة لتحقيق أمرين معاً: منع تصاعد الأزمة مع إيران ومقابلة التحركات السعودية لرفع أسعار النفط، نظراً لأنَّ أياً من هذين الأمرين يمكن أن يقوض مساعي بايدن لإعادة انتخابه في العام 2024.
تأثيرات هذا المسعى في المسار النووي الإيراني كانت متواضعة حتى الآن ولكنها إيجابية، إذ كشف أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع شهر أيلول أنَّ الإيرانيين قد أبطؤوا إنتاجهم من اليورانيوم المخصب إلى نسبة 60 بالمئة، أي أدنى بقليل من مستوى التسلح النووي، كما خففوا تركيز بعض تلك المواد لخفض خزينهم المتراكم. أبطأت إيران كذلك تسارعها المخيف في نصب أجهزة طرد مركزي إضافية متقدمة للتخصيب. هذه الإجراءات لن تؤدي إلى تأخير "فترة الانفلات" اذا ما أرادت إيران حقاً تخصيب اليورانيوم إلى حدود التسلح، ولكن التوقف بحد ذاته خطوة تهدئة، وإذا ما استمرت فسوف تدرأ وقوع أزمة حادة.
يبدو أيضاً أنَّ إيران قد نصحت شركاءها في المنطقة بوقف الهجمات على العسكريين الأميركيين المتواجدين هناك بعد أن كانوا يتعرضون لها بشكل متكرر حتى السنة الماضية. فرغم ثبات إيران على معارضتها للتواجد الأميركي في دول الجوار، وأنها يمكن أن تغير موقفها هذا، نرى أنها قد أزالت حالياً مصدراً مهماً من مصادر الاحتكاك وتصعيد الأزمة.
أما على جبهة النفط فقد بات واضحاً بشكل متزايد خلال الصيف أنَّ الولايات المتحدة آخذة بالجنوح أكثر نحو إرخاء فرض العقوبات التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية، ما سمح لكمياته بالتصاعد مع اشتداد ضائقة السوق الأوسع. فقد أورد موقع "تانكر تراكر دوت كوم" أنَّ متوسط شحنات الخام والكثيف المصدرة قد بلغ في شهر آب 1,9 مليون برميل يومياً صعوداً من 1,5 مليون برميل يومياً في شهر أيار، وبعد عام كامل كان المتوسط فيه يقل عن مليون برميل يومياً في 2022. وإذ تنكر وزارة الخارجية الأميركية رسمياً حدوث تغير في سياستها فإنَّ المسؤولين الأميركيين يقرون بعيداً عن الأضواء بأنهم ينفذون العقوبات بلمسة مخففة.
يأتي هذا متزامناً مع إعلان المملكة السعودية في شهر حزيران خفض إنتاجها من جانب واحد بمقدار مليون برميل يومياً بدءاً من شهر تموز بالإضافة إلى تقليص الإنتاج كجزء من إطار "أوبك بلاس" الذي سيستمر حتى نهاية العام في الأقل. كان هذا التحرك مباغتاً وتسبب باندفاعة شرسة نحو تأزيم وضع السوق ودعم الأسعار، حيث ارتفعت أسعار الخام بأكثر من 25 بالمئة منذ الإعلان السعودي وتجاوز سعر برنت 94 دولاراً وتظهر توقعات أوبك عجزاً كبيراً في العرض مقداره 3,3 ملايين برميل يومياً خلال الربع الرابع من 2023. تسعى إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاقية تطبيع علاقات متعددة الأوجه بين المملكة السعودية وإسرائيل، اتفاقية ربما تؤدي إلى تحسن العلاقات الأميركية السعودية، لكن ليست هناك إشارة بأي شكل تدل على أنَّ سياسة إنتاج النفط السعودية جزء من المناقشات الأميركية السعودية الجارية. مع عودة محللي "وول ستريت" للتحدث عن احتمال ارتفاع سعر برميل النفط إلى 100 دولار واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام المقبل فإنَّ أقل ما يقال هو أنَّ إدارة بايدن سيكون من الصعب عليها اتخاذ مسار أكثر صرامة مع إيران.
لقد لزمت إدارة بايدن الصمت حتى الآن بخصوص محادثاتها غير المباشرة مع إيران، كما امتنعت عن الاعتراف بوجود أي اتفاق له صلة بما يلوح من التجاوب الإيراني في مسألتي التخصيب والهجمات بالوكالة وتهاون أميركا الواضح في فرض العقوبات. ربما كان هذا مقصوداً لأنَّ أي اتفاق رسمي سيترتب عرضه على الكونغرس لمراجعته وفقاً لقانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني، وهذا سيكون لا محالة شأناً مثيراً للخلاف بقوة ومؤثراً حزبياً في سنة انتخابية. كذلك سيعطي هذا انطباعاً بأنَّ ما تم الاتفاق عليه حسب الظاهر ضئيل جداً مقارنة بأي استئناف معقول لخطة العمل.
تتواصل جهود الوسطاء، مثل قطر وعمان، للبناء على هذا الجهد، لكن لا يرجح أن نشهد أي اتفاق رسمي قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الأول 2024. كذلك يبدو أنَّ مساعي تهيئة الأجواء لإجراء حوار غير مباشر بين الولايات المتحدة وإيران خلال لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في الشهر الماضي لم تحقق نجاحاً. وقد أشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مؤخراً إلى إمكانية استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة مجدداً بوساطة أوروبية لاستكمالها من حيث توقفت في أيلول 2022، لكنَّ هذا الاحتمال بدا بعيداً هو الآخر. بيّنت الولايات المتحدة أنَّ نافذة العودة إلى خطة العمل المشتركة قد أغلقت وأنَّ مطالب إيران بضمانات أميركية في حينها بدت بعيدة المنال مع اقتراب الولاية الأولى للرئيس بايدن من نهايتها. أفضل الخيارات المتاحة حالياً تتمثل في محاولة تفادي الكارثة على المدى القريب. هذا لا يفي بالمطلوب، ولكن نظراً للمحددات المتحكمة بالمشهد، ومنها فقدان الولايات المتحدة مصداقيتها جراء تخلي الرئيس ترامب عن الاتفاق رغم الالتزام الإيراني، فإنَّ إدارة بايدن ستستحق الثناء إذا ما أفلحت بالفعل في إبعاد إيران عن المسار النووي الذي كان سيؤدي بسرعة إلى حدوث أزمة.
إذا ما أعيد انتخاب الرئيس بايدن فربما سيكون هناك متسع للعودة إلى محادثات تثمر تسوية أكثر ثباتاً، ومن الممكن أيضاً المجادلة بأنَّ ولاية بايدن الثانية قد تخفف هواجس طهران من احتمال نقض واشنطن الاتفاق مرة أخرى. مع ذلك لا يرجح أن تتمكن إدارة بايدن من إقناع إيران أن تتقهقر ببرنامجها النووي إلى نقطة قريبة من المستويات المقيّدة التي تفرضها خطة العمل الشاملة، ناهيك عن التوسع ببعض تلك القيود كما كانت الولايات المتحدة تتمنى لبلوغ اتفاق أقوى وأبقى.
إيران الآن دولة على عتبة التسلح النووي وهذا واقع لم يعد بالوسع عكس مساره بشكل أبدي، حتى لو أدى الأمر إلى صدام عسكري. الأجندة العقلانية إذن لمتابعة الاتفاق خلال ولاية بايدن الثانية قد تتمثل الآن في التركيز على عودة الشفافية وإطالة "فترة الانفلات" أمام ايران لمنح العالم اطمئناناً أكبر بأنَّ إيران لن تتخطى العتبة وتتحول إلى قوة نووية.
• عن مجلة «ذي ناشنال إنتريست»