نرمين المفتي
الحرب الإعلاميَّة ليست جديدة، فقد كانت على مر الحروب التي شهدها العالم وان كانت قبل وسائل الاعلام عبارة عن شائعات وطابور خامس، لتصبح واحدة من الحروب المهمة والمؤثرة مع انتشار وسائل الاعلام المقروءة والمكتوبة والمرئية والسينما وكانت اسمها (دعاية).
مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الخاصة بالصور أصبحت الأهم سواء في بث الرعب، وجعل من الشائعات تبدو (حقيقية) أو في نشر الحقائق ومواجهة الاكاذيب والاخبار والصور المفبركة ومع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي، قد يكون الكيان الصهيوني أول من استخدمها لتضليل الرأي العام العالمي، وكسبه ضد غزة منذ أن بدأت المقاومة الفلسطينيَّة (طوفان الأقصى) في السابع من الشهر الجاري.. وقد كشف الإعلامي الامريكي (جاكسون هينكل) عبر صفحته على منصة (X) تويتر سابقا، أن الصورة التي نشرها الكيان عن طفل محترق مدعيا أن المقاتلين الفلسطينين قد احرقوه بعد قتله بأنها صورة مفبركة، وقال في تغريدته التي نشر معها الصورة المفبركة والصورة الأصلية، “قالوا إن لديهم صورة لـ40 طفلا مقطوع الرأس، لكن الصورة أظهرت طفلًا واحدًا، ثم تم الكشف عن أن الصورة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لكن الأمر لم يكن مهما لأن كذبة 40 طفلا مقطوعة الرأس، قد سمعها بالفعل عدد كافٍ من الناس، لتبرير حرب كبيرة”.
وقبل هينكل، اعتذرت مراسلة السي ان أن عن اشارتها إلى هذه الصور، وقالت إنها لم تشاهد الصور، إنما سمعت بها، وبلا اعتذار أصدر البيت الأبيض بيانا ايضا بشأن هذه الصور التي لم يشاهدوها، انما سمعوا بها.. اذن تلك الصور التي لم يشاهدها أحد، بررت القصف الوحشي لغزة، حتى إن كان غالبية ضحاياه من الاطفال.. وتسببت أيضا بقتل الطفل الفلسطيني (وديع) طعنًا وإصابة والدته بجروح خطيرة في شيكاغو، ولاية الينوي الأمريكية يوم الاثنين الماضي، والتي اكدتها الشرطة بأنها جريمة كراهية.
نجح الكيان في حربه الإعلاميَّة ولكن ليومين فقط، فقد نجح مدونون وصحفيون فلسطينيون بحربهم الإعلاميَّة ايضا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت الفضائيات والصحف، تتداول الاخبار التي ينشرونها مع الصور والفيديوهات.. وبرأيي الشخصي، فإن هؤلاء كانوا افضل من بعض الشبكات والفضائيات الناطقة بالعربية، التي تبث ما يجري، والتي أما انحازت إلى الكيان مباشرة أو بشكل غير مباشر، من خلال استضافة شخصيات من الكيان وفسحت المجال لهم لتبرير القصف والحصار الوحشيين على أنه (دفاع عن النفس)، وساعدوا الفضائيات العربية التي تبث ما يجري على مدار الساعة في فضح الأكاذيب، والتي تعيد بث منشوراتهم، وتمكنوا ايضا من فرض الحقيقة حتى على الفضائيات الغربية الناطقة بلغات غير العربية، والتي تدعي المهنية.
ودليل نجاحهم كان في التظاهرات التي شهدتها الدول الغربية والرافضة لجرائم الحرب التي ترتكب ضد غزة.
وبدأ المنصفون يتساءلون عن سبب السكوت لقتل المئات من اطفال غزة، مما ارغموا حتى الحكومات المنحازة للكيان الصهيوني أن تطالب وإن بصوت منخفض بعدم استهداف المدنيين! والحرب الإعلاميَّة لم تتوقف عند فبركة الصور والاخبار، انما في استهداف الصحفيين من قبل الكيان، اما مباشرة كما حدث في جنوب لبنان أو في القصف، مما تسبب في استشهاد 11 صحفيا وجرح آخرين بينما فُقد اثنان.
وقد اصدر الصحفي والباحث البلجيكي كتابه المهم (احذروا الاعلام) في 1992 موثّقا كيف ادار التحالف الدولي ضد العراق في الحرب الخليج حربه الإعلاميَّة من خلال فبركة الصور، علما التطبيقات الرقمية بالصور والفيديو لم تكن موجودة حينها..
فالحرب الإعلاميَّة لا تستهدف تضليل الرأي العام العالمي، انما تستهدف كذلك إخافة أو احباط مواطني البلد المستهدف، وما نشر صور الدبابات التي تحاصر غزة إلا جزءٌ من هذه الحرب الإعلاميَّة، التي تستهدف زراعة الرعب لسكان غزة والذين وصل عدد شهداء القصف الوحشي إلى 2800، ثلثهم من الأطفال والنساء حتى كتابة هذا المقال..