الشجرةُ الشرقيَّة.. ديوان البحر الواحد

ثقافة 2023/10/19
...

 ريسان الخزعلي

(1)

الشجرة الشرقيَّة، ديوان الشاعر فاضل العزاوي - بغداد 1976، الذي تزامن صدوره مع ديوانه (الأسفار) في العام ذاته ضمن منشورات اتحاد الأدباء في العراق.. ديوان يستوقف القراءة والمتابعة كما سنلاحظ في الفقرات اللاحقة. وكان الديوانان مسبوقين بديوانه الأول (سلاماً أيتها الموجة، سلاماً أيها البحر)، من منشورات دار العودة - بيروت 197. ولكل من هذه الدواوين - التي صدرت قبل مغادرته العراق - ملامح فنية وجمالية، تجريبية وتأصيلية، تتقارب وتتباين في الشكل والبناء واللغة، والاشتغال الشعري/ الإيقاعي المتناوب بين النثري والعروضي.

(2)

في ديوان (الشجرة الشرقيَّة) الذي حملَ التوصيف: قصائد، يمكن للقراءة والإنصات التذوّقي أن يؤشرا الآتي:

-  لا وجود لأي تطبيق لطروحات العزاوي، التي جاءت في البيان الشعري عام 1969 في قصائد الديوان، إذ جاءت هذه القصائد واضحة الدلالة بعيدة عن اشتراطات المواجهة الشعرية التي أوضحها البيان: الحلم، اللا وعي، التماسات القريبة من السريالية، الكتابة الميكانيكة،  الإيحاء الرمزي وغيرها. 

وهكذا بقي التنظير تخاطراً فوقيّاً.

- الإسلوب السردي (القصصي) المسترسل، ونتيجة لهذا الإسلوب، فقد غابت التقفيات الخارجية والداخلية إلّا ماندر، رغم أنَّ القصائد موزونة. 

وبذلك يكون الشاعر قد تجاوز نمط كتابة قصيدة التفعيلة السائدة آنذاك، وهي محاولة تجريبية تؤشر لانشداد الشاعر إلى الفن السردي، الذي تشاغل بهِ بالتوازي مع الشعر: (وأنا في بغداد أتاني شيخٌ مجدورُ الوجه وبشّرني بالموت، فهربتُ إلى سامراءَ وحيداً في الليلِ وقلتُ: هنا لا يعرفني الموت، ودخلتُ بساتينَ أبي، مكتظّاً بالبهجةِ والأحلام، وأنا أصرفُ أيامي في نظم الأشعار، ثم اختلفت عني الأزمان وعافت نفسي العزلة، فخرجتُ إلى الشارع أنشدُ سلوى بين الناس..).

- استخدام القناع، والقناع هو (عبد الله). 

ورغم أنَّ القناع تقنية فنية مستخدمة في الشعر كثيراً، إلّا أنَّ الجديد هنا، أنَّ هذا القناع هو الشاعر ذاته على الأعم، وليس من خلال تجربة شخص آخر. 

والقناع/ عبد الله يظهر أما في عناوين القصائد (عبد الله يشحذ من البحر، عبد الله في مملكة الأعراب، عبد الله والأمير، عبد الله يدخل عاموراء) أو في نسيج النصوص/ القصائد، وقليلة هي النصو/ القصائد التي تخلو  من ذكْر عبد الله. 

وعبد الله تارة يكون المُخاطَب أو المُشار إليه، وأخرى يكون المُخاطِب، وفي الحالتين يكون السرد هو البناء الذي تعتمدهُ النصوص/ القصائد: (وأتى عبد الله إلى قوم فرأى رجلاً يُشنقُ، كان رجالٌ ونساءٌ محتشدونَ أمامه، يبكون عليه فيضحك منهم، ضربوه وجرّوا شعْرَهُ، أعطوهُ هموماً وعليه بكوا، فتعجّب عبد الله وقالَ: غبطتُ المشنوقُ يكونُ كراية حربٍ، مرفوعاً فوقَ رؤوسِ الناس..).

(قالَ الأعرابُ: تعالَ وحدّثنا عن انسانك يا عبدالله، قلت: لقد جئتُ لأدخل مملكة الأعراب، لأشهد لا أن أصرخ في الوديان..).

.............

(ماذا تفعل يا عبد اللهِ هنا؟ 

ماذا تفعل في وادي الفئران؟

أقول لنفسي. 

قتلوك ولمّا تولد بعدُ..، ماذا تفعل يا عبد الله هنا؟ 

في الليل أقولُ لنفسي، ونهاراً أخرجُ للنزهةِ عندَ ضفافِ الأنهار..).

-  نصوص/ قصائد ديوان (الشجرة الشرقيَّة) جاءت كإيقاع موسيقي/ عروضي على بحرٍ واحد، ألا وهو (المتدارك المزاحَم بالخبب)..، والخبب كما هو معروف، من تحوّلات المتدارك، بعد أن تتحوَل (فاعلن) إلى (فعْلِن). 

وهكذا تمتّعت النصوص/ القصائد بإيقاعٍ سرديٍّ راكضٍ وفّرتهُ سيادة الخبب: (في الحربِ مشيتُ مع الفلّاحين الأعراب أُهوّس أحلاماً معتمراً بعقالٍ وعلى كتفيَّ عباءةُ جدّي، أعبرُ أنهاراً وأغذُ خطاي على الرمل.. هنا الكوفةُ فلنتوقّف، نهبط في مرج العاقول، ونجلسُ فوق حصى الأيام شهوراً منتظرين الأعداء يمرون إلى الوادي..).

- إنَّ الإيقاع الموسيقي/ العروضي الواحد في قصائد/ نصوص (الشجرة الشرقيَّة)، والتي كُتب معظمها بشكل قصيدة النثر الأفقي - كما هو أساس شكلها الأوّل- جعلنا أن نلصق بها توصيف (نصوص). 

كما أنَّ هذا الإيقاع الواحد المسترسل يجعل القول ممكناً بأَّن ديوان (الشجرة الشرقيَّة) لو حُذفت منه عناوين القصائد/ النصوص، لكان قصيدة واحدة.

كما يصح التوصيف أيضا، بأنه ديوان البحر الواحد.