غزة.. الجريمة والفيتو

قضايا عربية ودولية 2023/10/19
...

علي حسن الفواز



كشف الفشل الذي تعرّض له مشروع قرار "وقف النار الإنساني" في مجلس الأمن الدولي عن طبيعة "الرعب الدولي" الذي تمارسه الولايات المتحدة ودول الغرب، فبقطع النظر عن علاقة هذا المشروع بروسيا التي قدّمته، فإن تبرير الرفض، واستخدام "الفيتو" من قبل ثلاث دول كبرى يضع علامات استفهام حول طبيعة عمل مجلس الأمن، وأهدافه، وحول قدرته على التعاطي مع القضايا الإنسانية التي تستحق معالجات تتجاوز ثنائية "الصديق والعدو" لأن هذا المجلس ومن ورائه الأمم المتحدة اوجدتهما الحاجة إلى منع الحروب، وإلى مواجهة النزعات الفاشية التي تسببت بحدوث الحرب العالمية الثانية.عدم حصول القرار على الأصوات التسعة المطلوبة، وتوزع التصويت بين خمسة أصوات مؤيدة، وأربعة معارضة، وامتناع ستة أعضاء عن التصويت، جعل من العدوان الوحشي على غزة مفتوحاً، ومنوطاً بالإجراءات "الإسرائيلية" و"الحماية الأميركية" وعبر تسويغ سياسات عنصرية وعرقية تهدف إلى تهجير فلسطينيي غزة إلى منافٍ أخرى، أو إلى مقابر جماعية كالتي فعلتها داعش في إرهابها وكراهيتها.ما تضمنته مسودة القرار الروسي ليس سياسياً، بل كان يهدف إلى جملة من الإجراءات التي تمنع القتل الجماعي للمدنيين، وحرمانهم من أبسط الحقوق المدنية، والتي هي في صُلب عمل مجلس الأمن، لكن وحشية الهيمنة، وفرضية الرعب الدولي اخضعت توصيف العدوان " الإسرائيلي" إلى مرجعيات سياسية، أكدتها تصريحات الرئيس الأميركي بايدن وفريقه الحربي والدبلوماسي، مثلما أكدتها دول الغرب في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها، والتي تستخدم سطوتها، وعنجهيتها في تكريس سياسات الكراهية، وفي تحويل "المجتمع الدولي" إلى "مجتمع عنصري" وهو ماورد على لسان المندوبة الأميركية في المجلس بالقول: " إننا لن نسمح  لمجلس الأمن بلوم إسرائيل بدلاً من حماس"، مثلما تكرر على لسان المندوبة البريطانية باتهام المشروع بأنه "لم يكن محاولة جادة لتحقيق توافق جاد في المجلس".هذه المواقف وغيرها حرضت العدوان الإسرائيلي على ارتكاب مزيد من جرائم الإبادة، وآخرها جريمة قصف المستشفى الأهلي المعمداني والتي راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء، وهي جريمة عار بوجه العالم، وبوجه مجلس الأمن الذي فقد سلطته الأخلاقية في مواجهة هذه الجريمة وغيرها من جرائم قتل البشر، تدمير البنى التحتية لمدينة غزة، فضلاً عن التصريح العلني بتنفيذ نوع من سياسة الكراهية التي تجعل من إسرائيل تستعيد ذاكرة العنف العنصري الذي سبق وأن مارسته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على الآخرين.