مجزرة «المعمداني» تثير غضباً عارماً ضد الاحتلال الصهيوني

قضايا عربية ودولية 2023/10/19
...

• القدس المحتلة: وكالات

على وقع مجزرة مستشفى المعمداني بغزة التي ارتكبها الكيان الصهيوني وراح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى، وصل الرئيس الأميركي جو بايدن والوفد المرافق، أمس الأربعاء، إلى فلسطين المحتلة دعماً لـ "تل أبيب" في وجه المقاومة الفلسطينية، ورغم الحقائق التي تؤكد مسؤولية الاحتلال عن الهجوم، إلا أن بايدن وفور وصوله إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، سارع إلى اتهام المقاومة الفلسطينية قائلا: إن "انفجار المستشفى سببه الجانب الآخر"، في إشارة إلى الفلسطينيين، واللافت أن بايدن استخدم كلمة "انفجار" حين وصف المجزرة الرهيبة.

وحضر بايدن في تل أبيب اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي "الكابينت"، رفقة رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن - الذي زار "تل أبيب" مرتين بعد "طوفان الأقصى" - أنّ بايدن سيزور تل أبيب الأربعاء للتضامن مع "إسرائيل"، وذكر أنّ "بايدن سيسمع من إسرائيل ما تحتاج إليه، بينما نواصل العمل مع الكونغرس لتلبية تلك الاحتياجات" .

من جهته، دعا نتنياهو في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأميركي جو بايدن العالم أن يتحد لهزيمة "حماس"، مجدداً الادعاءات بشأن "قطع رؤوس الأطفال" .

وتوجه نتنياهو إلى بايدن قائلاً: "زيارتكم هي الأولى لرئيس أميركي في زمن الحرب. نحن نرى من جانبكم دعماً غير قابل للزعزعة من تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة"، معتبراً أنه "من المهم أن يرى العالم هذا الدعم الأخلاقي الذي أبديته منذ هجوم (حماس) الهمجي"، بحسب مزاعمه.

وكان من المقرر أن يتوجه بايدن إلى الأردن عقب زيارته "تل أبيب"، لإجراء محادثات مع كل من الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيسين الفلسطيني محمود عباس والمصري عبد الفتاح السيسي، إلا أنّ المملكة قررت إلغاء القمة الرباعية هذه في إثر الجريمة المروّعة التي ارتكبها الاحتلال في مستشفى المعمداني في وسط غزة، موقعاً مئات الشهداء والجرحى.

وتحركت الولايات المتحدة في اتجاه المنطقة عقب "طوفان الأقصى"، بسلاحها وجنودها، محاولةً إنقاذ ما يمكن إنقاذه في كيان الاحتلال.

وأمر وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في وقت سابق، المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأميركية، "يو أس أس جيرالد فورد"، بالإبحار إلى شرقي البحر الأبيض المتوسط، لتكون "مستعدة لمساعدة إسرائيل" .


مزاعم صهيونية

واتهمت "إسرائيل" حركة الجهاد الإسلامي بمسؤوليتها عن قصف المستشفى وسط غزة أمس الأول الثلاثاء، إلا أن الحركة أكدتّ أنّ هذا الاتهام يأتي في إطار تنصل الاحتلال من مسؤوليته، وفبركته للحقائق، وتبرير جرائمه. 

وقالت الجهاد في بيان: إن "العدو الإسرائيلي يردد هذه الأكاذيب لتبرير استهدافه لهذه المراكز وعلى رأسها المستشفيات، وهو اتهام خطير يهدف من ورائه إلى التنصل من المسؤولية عن جريمته واستهداف مستشفيات أخرى"، ولفتت الحركة إلى أن "المستشفى تلقى تهديدات علنية للإخلاء من قبل الاحتلال"، بالإضافة إلى أن "تضارب الروايات التي يقدمها العدو تكشف كذبه، وأن ما يردده في وسائل الإعلام هو محض فبركة وافتراء" .  

وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، قال إنه "بعد تحقيق شامل ودراسة كافة الأنظمة العملياتية والاستخبارية في جيش الدفاع تأكد بشكل واضح أن جيش الدفاع لم يهاجم المستشفى المعمداني في قطاع غزة"، وزعم أن "المستشفى أصيب نتيجة تعرضه لإطلاق فاشل لصاروخ نفذه تنظيم الجهاد الإسلامي الإرهابي"، بحسب تعبيره.غزة كانت أمس الأربعاء، على موعد مع تشييع شهداء مجزرة المستشفى المعمداني، على الرغم من مواصلة الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع، الذي يصرّ أهله على الصمود ودعم المقاومة.


تفاصيل المجزرة

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة ارتقاء ما يزيد على 3200 شهيد، وإصابة 11000 جريح، من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع، لليوم الـ12 على التوالي، ومعظمهم من الأطفال والنساء.

وذكرت الوزارة، أن أكثر من 500 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال التحقوا بركب الشهداء بعد سقوطهم بمجزرة مستشفى المعمداني، كما أصيب مئات آخرون في المجزرة.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، إنّ المجزرة "لا مثيل لها، ولا يمكن وصفها"، مضيفاً أنّ مئات الضحايا وقعوا، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما لا تزال طواقم الإسعاف تُجلي الأشلاء، "وغالبيتها بلا رؤوس" .

ولفت إلى أنّ سيل الشهداء ونوعية الإصابات فاق قُدرات الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، مردفاً أنّ الأطباء كانوا يُجرون عمليات جراحية على الأرض وفي الممرات، وجزء منها بلا تخدير.

يأتي ذلك فيما تستمر الغارات الإسرائيلية على القطاع، بحيث لم تتوقّف ساعة واحدة، من رفح إلى خان يونس والبريج والمنطقة الشمالية، وسط انقطاع الماء والكهرباء والغذاء وانهيار يشهده القطاع الطبي، وفي غضون ذلك، أشار تقرير خبري إلى وصول عشرات الشهداء والجرحى إلى مستشفى شهداء الأقصى، نتيجة الغارات التي شنّها الاحتلال على المنازل السكنية.

وقبل استهداف المستشفى ليل الثلاثاء، استهدف قصف إسرائيلي مدرسةً يوجد فيها نازحون تركوا بيوتهم نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزّة، الأمر الذي أسفر عن استشهاد وجرح العشرات.

وذكرت وكالة "الأونروا" في غزة أنّ "غارات إسرائيلية استهدفت مدرسة للأونروا في مخيم المغازي استشهد خلالها 6 أشخاص، وأُصيب العشرات، بينهم موظفون للوكالة"، مؤكدةً أنّ "قصف المدرسة عمل شائن، ويُظهر مرة أخرى استهتاراً صارخاً بحياة المدنيين" . 


الإعلام الغربي الكاذب

تسويق كيان الاحتلال لسرديته وتزوير الحقائق بشأن الأحداث في غزة، يتجلى في محاولة التنصّل من مجزرة مستشفى المعمداني، حيث عمد إلى بثّ رواية مضللة ينأى فيها عن نفسه بعملية القصف.

وإلى جانب منابر الإعلام الإسرائيلي، مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً منصتي "فيسوك" و"إنستغرام"، تبسط فضاءها أمام الصور والمنشورات المتعلقة بالقتلى الإسرائيليين، وضربات المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية، فيما تغلقه أمام المحتوى الداعم لفلسطين، وتشنّ حملة إغلاق حسابات أو تقييد وصولها إلى جمهور أكبر.

كما تكشفت لدى كثير من المتابعين تضليل وأكاذيب الإعلام الغربي الذي يزعم نقل الحقائق بانحيازه الواضح إلى تل أبيب وجرائمها، فلقد انتشرت على نطاق واسع في الإعلام الغربي، خلال الأيام الأولى للعدوان، ادّعاءات وأكاذيب مفادها بأنّ عناصر المقاومة قاموا بـ"قتل وقطع رؤوس 40 طفلاً" في مستوطنة "كفار عزة" خلال معركة "طوفان الأقصى" .

وجرى تداول تلك المزاعم على منصات كبيرة مثل "سي أن أن"، وتناقلتها أيضاً شخصيات عامة مثل أحد أعضاء الكونغرس. حتّى أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن صرّح بأنّ "هناك تقارير عن أطفال رضّع قُتلوا وذُبحوا لأنّهم يهود"، من دون أي تثبّت أو دليل.

ومن خلال التدقيق في تفاصيل هذه الادّعاءات ومصدرها، فإنّ مصدر شائعة الأطفال الإسرائيليين المقطوعة رؤوسهم، أطلقها زعيم استيطاني يدعى ديفيد بن صهيون حرّض في وقتٍ سابق، وتحديداً في أيار الماضي، على محو قرية حوّارة في نابلس، ونقلتها قناة "i24 الإسرائيلية"، وبالتحديد الصحافية "نيكول زيديك" العاملة في القناة، والتي زعمت خلال زيارتها للمستوطنة برفقة جنود الاحتلال هذه الرواية، فيما تبيّن لاحقاً زيف هذه الرواية، وهذا ما جعل البيت الأبيض يتراجع عن تبنّيها.


روسيا تطالب بصور الأقمار الصناعية

وتتواصل الإدانات الرسمية الدولية والعربية بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وأيضاً الوقفات الشعبية الاحتجاجية والتضمانية مع فلسطين المحتلة في مختلف دول العالم، وذلك بعد ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة دامية في مستشفى المعمداني. 

وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن أمله في أن يكون حادث استهداف مشفى المعمداني في غزة بمثابة إشارة جادة لضرورة إنهاء الأزمة على وجه السرعة.

وأضاف بوتين: "ندعو دائماً إلى إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما تتبناه روسيا دائماً، وهي الطريقة الوحيدة للتوصل إلى السلام العادل والشامل وطويل الأمد"، وتابع، أن "ما يحدث في غزة مأساوي، ويجب أن يتوقف، وهذه كارثة وإشارة على ضرورة وقف الصراع" .

أما المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، فقالت :إن على إسرائيل، بمشاركة شركائها الأميركيين، تقديم صور بالأقمار الصناعية تثبت عدم تورطها في الضربة على المستشفى في غزة.

وأوضحت زاخاروفا، في حديثها لراديو "سبوتنيك": "من الواضح أننا نرى الآن رغبة في إعفاء أنفسنا من المسؤولية، إذا كانت هناك نوايا جادة وراء هذه المحاولة، ليس فقط الكلمات، ولكن النوايا الجادة لإثبات براءتهم، فإنهم بحاجة ليس فقط للتعليقات في وسائل الإعلام وعلى الشبكات الاجتماعية، ولكن عليهم تقديم الحقائق أيضا" .

وتابعت زاخاروفا: "رجاءً كونوا لطيفين، وقدموا صوراً للأقمار الصناعية، وسيكون من الجيد أن يفعل الشركاء الأميركيون ذلك، والذين سيشهدون حول جغرافية الرحلات الجوية بأكملها، مع كل التفاصيل التي كانت متاحة في تلك اللحظة" .

وقالت وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو تعتبر الغارة على مستشفى في غزة جريمة وعملاً لا إنسانياً، واصفة "التصعيد الأخير للصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، بأنه كارثة عالمية.

وفي وقت سابق، اقترحت روسيا إضافة التنديد بالهجوم على مستشفى الأهلي المعمداني، الذي أسفر عن استشهاد المئات، إلى القرار الذي صاغته البرازيل ومن المقرر أن يصوت عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال ساعات.

يُذكر أنّ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان رفضوا، أمس الأول الثلاثاء، مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي الذي اقتُرح بهدف "حل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة"، الذي يتعرّض لعدوان إسرائيلي وحشي، لليوم الـ12 على التوالي.

وفي أعقاب التصويت برفض القرار بمجلس الأمن، أعرب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، عن أسفه "لأنّ المجلس وجد نفسه مجدّداً رهينةً للنوايا الأنانية للكتلة الغربية من البلدان" .


تنديد بالمجزرة

وشهدت عواصم وبلدان العالم منذ ليل الثلاثاء تظاهرات واحتجاجات عارمة تنديداً بجريمة الاحتلال الإسرائيلي المروعة بقصف مستشفى المعمداني في غزة.

ففي ساحة فلسطين في العاصمة الإيرانية طهران، شارك الآلاف بوقفة تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتنديداً بمجزرة مستشفى المعمداني. 

وأكّد رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، أنّ "الصهاينة أظهروا للعالم وجههم القبيح وأيديهم الملطخة بالدماء"، وذلك بعد المجزرة الدامية التي ارتكبها الاحتلال في قصفه المتعمّد لمستشفى المعمداني في غزة. 

وقال قالبياف: إنّ "زمن البيانات والخطابات الكاذبة انتهى والعالم ينتظر الأفعال"، مشدداً على أنّ "الصهاينة يفتحون بأيديهم أبواب جهنم وسيجنون على أنفسهم بهذا الظلم" . 

بينما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في منشور عبر حسابه في منصة "X": إنّه "بعد الجريمة البشعة والمجزرة التي ارتكبها النظام الصهيوني بحق أكثر من 1000 امرأة وطفل بريء في مستشفى المعمداني، حان الوقت للوحدة الإنسانية العالمية ضد هذا النظام المزيّف المكروه أكثر من داعش وآلة القتل التابعة له" .

من جهته، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تعليقاً على المجزرة: إنّ "نيران القنابل الأميركية الإسرائيلية التي ألقيت على رؤوس الفلسطينيين ستلتهم الصهاينة قريباً"، وأضاف أنه "لا يمكن لأي إنسان حرّ أن يصمت أمام جريمة الحرب هذه" .أمّا في اليمن، فنُظّمت وقفات احتجاجية في وزارة الصحة اليمنية ومستشفى الثورة في العاصمة صنعاء تنديداً، بالمجزرة الإسرائيلية المروعة في مستشفى المعمداني. 

ونظّم أعضاء مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال في صنعاء وقفتي تضامن وحداد على شهداء المجزرة الإسرائيلية، وأعلنت الحكومة تأييدها الخطوات والإجراءات التي اتخذها محور الجهاد المقاومة وفي المقدمة  المقاومة الإسلامية في لبنان في دعم ومناصرة المجاهدين الفلسطينيين. 

كما دعت صنعاء الشعوب العربية إلى دعم المقاومة والصمود والدفاع عن المقدسات، وإلى مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية وكل الدول المؤيدة والمساندة لكيان الاحتلال. 

وفي العراق، نظّمت دوائر مختلفة في مؤسسات الدولة وقفات حداد تضامناً مع الشعب الفلسطيني، كما خرجت تظاهرات ليلية في بغداد تنديداً بالمجزرة الإسرائيلية.

وفي سوريا، أُعلن الحداد لـ3 أيام على أرواح الشهداء من جرّاء القصف الإسرائيلي على مستشفى المعمداني، وأكّدت الرئاسة السورية أنّ "عدوان قوات الإجرام الصهيونية على المستشفى هو من أبشع المجازر ضد الإنسانية في العصر الحديث" . 

وحمّلت دمشق "الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة مسؤولية هذه المجزرة وغيرها من المجازر"، مشددةً على أنّ "واشنطن والدول الغربية هي شريكة للكيان الصهيوني في كل عمليات القتل المنظم ضد الشعب الفلسطيني" . 

بدوره، دعا الرئيس التونسي قيس سعيد المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته إزاء شعب فلسطين، مؤكّداً "مواصلة النضال من أجل تحرير الوطن المحتل بالجماهير العربية" .

وقد خرجت حشود جماهيرية في تونس تضامناً مع غزة والقضية الفلسطينية وتنديداً بالإجرام الإسرائيلي المتمادي، رافعين الأعلام الفلسطينية وهاتفين بأنّ "الشعب يريد تحرير فلسطين" . 

أوروبياً، أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، أنّ بلاده ستزيد المساعدات الإنسانية للأراضي الفلسطينية هذا العام بمقدار أربعة ملايين يورو لتصل إجمالاً إلى 21 مليون يورو.

وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج، أعلن ألباريس عن الزيادة بعد أن قال إنّ حكومته استيقظت "في حالة صدمة" بعد قصف مستشفى في غزة.

بدوره، أكّد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، أنّ "استهداف البنية التحتية المدنية لا يتماشى مع القانون الدولي" .