MK84

العراق 2023/10/19
...

أحمد عبد الحسين



قال خبراء أسلحة أميركان أمس إنّ الصاروخ الذي ألقاه الكيان الصهيونيّ أول أمس على مستشفى المعمدان بغزة وقتل المئات من الأطفال والنساء، كان صاروخاً أميركياً من طراز MK84 . 

مساهمة أميركا في قتل الأطفال بهذا الصاروخ ذات رمزية عالية، فهي شريكة في كل جرائم هذا الكيان، منذ الجريمة الأولى والأكبر أيْ تأسيس هذا الكيان الغاصب. وأمس استثمر جو بايدن هذه الرمزية معرباً عن توافق أميركا التامّ مع ما تراه حليفته، فقد قيل له وهو على باب الطائرة التي أقلّته لتل أبيب: إن مستشفى ضربته إسرائيل فأجاب: "هل كان فيه مرضى"؟ لكنه بعد أن عرف أن الرواية الإسرائيلية تقول إن الفلسطينيين هم من ضربوا أنفسهم، ردّد بعدهم: "الفلسطينيون هم من ضربوا أنفسهم".

هذا الخضوع لإسرائيل أمر لا علاقة له بالسياسة ولا بالاقتصاد ولا بصراع قوى، إنه ذو منشا عقائديّ. وهذا الشرّ المحض الذي يسيطر به الشيطان على العالم هو الآخر شرّ عقائديّ طالع من نصوص مقدّسة في كتابٍ كلّ ما فيه يدعو إلى القتل وسفك الدم وضرب رؤوس الأطفال بالحجارة وبقر بطون الحوامل، ومعاملة سائر الناس باعتبارهم "حيوانات بشرية".

الشيطان يحكم العالم. في الحقيقة هو بات يحكم العالمَينِ "الواقعي والافتراضي"، ففي الواقع هناك رئيس الدولة الأكبر يعمل هذه الايام متحدثاً باسم عقيدة هرمجدون، وفي فضاء الإنترنت حيث مواقع التواصل تضيق مساحة من يقول كلمة حقّ عن السيّد لوسيفر الذي يتربع على عرش العالم بعد أن قتل المسيح.

خضوع العالم لعقيدة الإرهاب المقدس سيكون غير مفهوم إذا فُسّرَ بالمنطق الماديّ. هناك جوهر دينيّ في الأمر، تماماً كالصاروخ MK84 الذي انطلق من منصة للصواريخ لكنه في العمق كان منطلقاً من الإصحاح العشرين لسفر التثنية ومن المزمور 137 حيث كلّ شيء يجب أن يباد ليبقى العرق الأنقى والعقيدة الأصفى وليكون الشيطان سيّد هذه الأرض، ليست الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات وحسب، بل سيد هذه الكرة الكبيرة السابحة في الفضاء.

هذه الرؤية الكابوسية تتحقق اليوم بكامل رعبها، حيث يُقتَل مئات الأطفال بكبسة زر واحدة ويريدنا الشيطان أن نقتنع بأن آباءهم هم الذين قتلوهم. وإنْ لم تقتنع فأنت محاصر تضيق عليك جدران سجنك يوماً بعد آخر، في الواقع الحقيقيّ الذي يديره بايدن وشركاؤه، وفي العالم الافتراضي الذي يديره السيد مارك زوكربيرغ وشركاؤه.

حين كتب جورج أورويل روايته الكابوسية التي عنوانها "1984" ربما كان يتنبأ بأن الصاروخ الأميركي الذي قتل الأطفال فيه هذا الرقم المبارك 84.