باسم عبد الحميد حمودي

قاتل رسَّام الكاركتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي بريشته الماهرة وحزنه وشجاعته طوال حياته وحتى استشهاده من أجل فلسطين.
كان (حنظلة) الصبي الفلسطيني ذو العشر سنوات المرقع اللباس والذي يدير وجهه دوما عن الدنيا الحالية.. دنيا العسف والظلم ويعطيها ظهره  وهو يشتم ويسخر من كل مخططات الاستخذاء العربية.
و(حنظلة) هذا أحد أبرز الشخصيات الكاركاتيرية التي ابتكرها الشهيد ناجي العلي وقدمها لسنوات متصلة، وبشكل يومي في صحافة الكويت ساخراً من حضارة البشر الدمويَّة ومن الظلم الواقع على بني جلدته ومن تعديات الأشقاء عليهم.. قبل إسرائيل.
 ولد ناجي سليم حسين العلي في قرية الشجرة في منطقة الجليل عام 1937، وكانت القرية تجمع فلاحين مسلمين ومسيحيين يعيشون سواسية والى جانب منها مجموعة من اليهود يسكنون في بعض المساكن المنعزلة ويعملون في شؤون التجارة البسيطة بالنسيئة والربا.
كان والده سليم العلي يملك حاكورة وأشجار زيتون يعتاش من وارداتها هو وجمهرة سكان القرية حتى تمَّ عدوان عصابات شتيرن والهاغاناه الصهيونيتين على سكان القرية فتخلوا عنها قسرا، وبعد مقتل الكثير من سكان القرى والمدن ورحل والد ناجي العلي وأسرته الى لبنان ليسكنوا في مخيم عين الحلوة عام 1948.
أصابت تجربة التهجير والقتل والتعدي الصهيوني المستمر على أرض وبشر وتاريخ فلسطين ناجي العلي بالمرارة والغضب المستمر على العرب الذين باعوا فلسطين وساوموا القتلة من أجل مغانمهم وشردوا شعبا بأسره في مخيمات نشأت في أراضي دول عربية أخرى. درس ناجي العلي في مدارس الغوث ثم في الاكاديمية اللبنانية.. وكان يرسم الكثير من الموضوعات الكاريكاتيرية والعامة اللافتة للصحف. حتى كان تحوله الكبير عندما زار مخيم عين الحلوة الكاتب غسان كنفاني ليتعرّف على ناجي ورسومه ويدعوه للعمل معه في مجلة (الحريَّة) عام 1961.. وبذلك بدأت انطلاقة ناجي العلي الصحفية الكبرى.
عزز هذه الانطلاقة برحيله الى الكويت والعمل في صحافتها مبتكرا شخصية الصبي الفلسطيني المقاوم (حنظلة) التي أشتهر بها.
قدم ناجي العلي ابتكاره العاصف (حنظلة) أول مرة في جريدة (القبس) ام 1969.. ويقول (حنظلة) المبتكر عن ذاته: (اسمي حنظلة.. اسم أبي  مش ضروري.. أمي أسمها زكية وأختي فاطمة.. ولدت في 5 حزيران 1967).
ويستمر واصفاً بروح شعريّة هائلة تجربته الحياتيّة الغضة المقاومة للتطبيع الداعي الى دوام الثورة والساخرة من الحكام المتواطئين الذي أضاعوا فلسطين، مما لفت انتباه القرّاء في كل أرض وبلاد. رسم ناجي العلي أكثر من أربعين ألف رسم كاريكاتيري ساخر استعان بها الفنان نور الشريف وهو يقدم فيلمه عن الشهيد ناجي العلي.
اضطر ناجي العلي الى الرحيل عن الكويت بعد أحداث العدوان العراقي على الجار. وانتقل الى ليبيا حيث لم يعجبه الجو السياسي القسري زمن القذافي فرحل الى لندن ليعمل في صحافتها العربية وحنظلة معه يقدمه في كل أداء ساخر من التطبيع حتى تم اغتياله.
اتهم أصدقاء ناجي العلي عدة جهات تسببت في اغتياله في 29 أغسطس عام 1987.. بلغ عمر (حنظلة) العشرين عندما اغتالوا مبتكره الشجاع.. وجهت أصابع الاتهام الى ياسرعرفات والموساد والمخابرات العراقيَّة كل التحقيقات التي ما زالت مستمرة، لم تقطع برأي محدد حتى يومنا هذا.
ظل دم ناجي العلي مطروحاً على الأرض مثل دم شعب غزة المقاتلة اليوم.