عن اليوم الوطني العراقي

آراء 2023/10/22
...

  محمد علي

بصرف النظر عن تاريخ اليوم الوطني العراقي، إذ يمكن اختيار أي يوم من أيام السنة أو اختيار تاريخ أي مناسبة عامة لتكون يوماً وطنياً، ولتجاوز الجدل في أهمية ورمزية تاريخ محدد، لاعتباره يوماً وطنياً من قبل الحكومة أو من قبل الشعب أو بالاتفاق بينهما، وجدت أن الصخب الإعلامي بين قلة مؤيدة وكثرة معارضة بخصوص احتفال اليوم الوطني العراقي 2023/10/3، مما يستحق التناول بشيء من التحليل والصراحة والابتسامة.

في الحقيقة، إن ظاهرة «الانقسامات الحادة في تناول القضايا العامة دعماً من جهة ومعارضة من جهة أخرى» من الظواهر المميزة للمجتمع العراقي خصوصاً وباقي المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة عموماً، وهي ظاهرة ليست بغريبة عن مجتمعات قائمة على: التعصب بكافة أشكاله - التخلف في جميع المجالات - اقتصاد ريعي ولا عدل في توزيع الثروات، وقد حصرت في مقال سابق الجهات المسؤولة عن واقع التخلف في العراق، ووصفتها بـ»مؤسسات ثقافة التعصب».
وبما أن الانقسام الحاد ظاهرة طبيعية في مجتمعنا العراقي، فإنني لن أحاول مناقشته هنا من باب أسبابه المنطقية، لأنه انقسام قائم بالأساس على دوافع سياسية-ثقافية مرتبطة بالإرادة أكثر منها مرتبطة بالإدراك، ولا يمت للمنطق ببنت صلة، ولست أقصد بالمنطق؛ منطقاً محدداً، وإنما أقصد به أي «فكرٍ مؤسس وفق نمط ما من المقدمات».
وهو انقسام مختلف عن الانقسامات الحزبية والسياسية والاجتماعية في الدول الغربية، ذلك أن الانقسامات في الدول الغربية قائمة على «حجج عقلية» مرتبطة بالقضايا الإجرائية في تسيير شؤون الدولة، دون المساس بمبادئ إنسانية عامة، غدت جزءًا لا ينفصل عن مكاسب التقدم الحضاري للإنسان منذ وجوده، من قبيل: الحرية والعدالة والمساواة.
إننا في العراق لا نزال نجهل أبسط حقوق الإنسان، ولا يزال الناس عندنا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وفق الهوى وتبعاً للمصلحة، وحقوق الإنسان عندنا مؤطرة بالخطوط الحمراء والثوابت المتوارثة والمحدثة والمبتدعة.
إننا إن رغبنا في فهم الآلية التي ينبني وفقها الرأي العام العراقي، وجب علينا الأخذ في نظر الاعتبار: الموقف المسبق للدين والمذهب والعشيرة والعرق والمنطقة من القضية المراد مناقشتها.
إننا حين نرغب بطرح قضية عامة، فإننا في الحقيقة لا نناقش أناس لهم عقول يعقلون بها، وإنما نناقش أديان ومذاهب قائمة منذ قرون، ومصالح عرقية وعشائرية ومناطقية قائمة على الباطل والتعصب.
إن النقاش مع ممثلي «مؤسسات ثقافة التعصب» في قنوات ومنصات إعلامية تابعة لذات هذه المؤسسات، هو في الحقيقة أشبه بالنقاش مع الجُدر، لا يغني ولا يسمن من جوع.
ولذلك وجب على العلمانيين العراقيين عدم الدخول في النقاش مع أمثال هؤلاء، والاهتمام بتنوير الرأي العام ونقد الظواهر الحضرية لغرض التقويم والتأصيل لها في نفوس الشباب العراقي، لأن النقاش مع الأولين، ليس سوى مضيعة للجهد والوقت، وهو مما يساهم في تأليب الرأي العام الخاضع بوعي ولا وعي لما تنتجه «مؤسسات ثقافة التعصب» من قيم أخلاقية مرتبطة بمصالح المنتفعين - من قريب أو بعيد- من وجود هذه المؤسسات؛ على قيم التنوير.
 إن اتفقنا على ما تقدم، يصبح بمقدورنا ألا نستغرب تبني المنصات الإعلامية للتيارات والجماعات السياسية والدينية المعادية (ولم أقل معارضة) لحكومة الإطار؛ للخطاب المناهض لطريقة الاحتفال باليوم الوطني العراقي، بحجة انتهاك العفة ونشر الفساد والرذيلة والميوعة في العراق، كما لا يمكننا الاستغراب من مواقف بعض الأكاديميين العراقيين المناهضين للاحتفال باليوم الوطني العراقي بحجة « لا رمزية المناسبة» التي جُعلت يوماً وطنياً من قبل حكومة الكاظمي.
أما بخصوص المشاركين في حملة مناهضة الاحتفال باليوم الوطني العراقي، من دعاة «للمدنية»، كما يقدمون أنفسهم وثوارا على النظام السياسي الإسلامي برمته، فالموقف المعارض لهؤلاء من طرائف الواقع العراقي.
لست أنكر أن الاحتفال باليوم الوطني العراقي لم يكن بالمستوى المطلوب، بل إن رأيي هذا يشمل جميع الاحتفالات التي نظمت في العراق منذ سنوات وبغض النظر عن موضوعاتها ورمزياتها، لكنني أُرجع سوء التنظيم لأسباب متعلقة بالمناخ الثقافي العراقي العام.
فليس هنالك شخصيات فكرية وازنة في العراق تقدسها الجماهير، حتى تضطر الحكومات لدعوتها للمشاركة في مثل هكذا محافل.
وليست المؤسسات المعنية بتنظيم هذه المحافل مستقلة تماماً ولا مؤهلة ثقافياً لتدرك أهمية مشاركة كبار المثقفين في المحافل العامة.
وتبقى البضاضة أكثر جاذبية للمواطن والمسؤول العراقي سواء؛ من جفاف أدمغة المفكرين، كما أن أدمغة أغلب العراقيين مشغولة بعنعنة أهل القيل والقال.