مطلقات البين والرجال

الصفحة الاخيرة 2023/10/22
...

محمد غازي الأخرس

ويقولون ناصحين الرجل في مجتمعنا: اخذ مطلكات البين ولا تاخذ مطلكات الرجال، بمعنى أنَّه من المفضل للرجل الزواج من الأرملة على أنْ يتزوج المطلقة. وعبارة «مطلقات البين» استعارة بديعة تشير لتدخل الموت في احداث الطلاق المجازي. الموت هو من أنجز مهمة التفريق بين الزوجين خلافاً للطلاق الطبيعي الذي يقرر فيه الزوج مفارقة زوجته لهذا السبب أو ذاك. تحليل المثل اجتماعياً وثقافياً هو ما يهمني هنا، إذ من الواضح أنَّ المثل يسرب موقفاً قيمياً سلبياً تجاه المرأة المطلقة، ناصحاً بعدم الاقتران بها، وتفضيل الأرملة عليها. مطلقة البين بالأحرى ليست ملومة، مثل المطلقة العادية؛ تلك ضحية موت غيّب زوجها، في حين طلقت صاحبتها لأنها فشلت في علاقتها مع الزوج، لذا ينصحون الرجل بتجنبها بالمثل آنف الذكر.
الملاحظ، بهذا الخصوص، أنَّ مجتمعنا الذكوري يحمل المرأة المسؤولية دائماً بفشل العلاقة. إنها الملومة في جميع الأحوال، سواء كانت سيئة أم جيدة. إنْ كانت سيئة فهذا هو المتوقع من المرأة، وإنْ كان الزوج هو الذي لا يطاق، فعلى الزوجة، وفقاً لثقافتنا الاجتماعيَّة المبنيَّة على ركائز النظرة  الذكوريَّة، احتماله حتى الممات، وغالباً ما تمدح المرأة لهذا فيقال عنها مثلاً: «شلون مرة بت أوادم، تحملت الضيم والظلايم صار ثلاثين سنة». لا يحق لهذه «الصابرة» أنْ تذهب زعلانة لأهلها، وإنْ ذهبت، فالأحرى أنْ يضيّقَ عليها الأهل الخناق حتى تضطر للعودة إلى بيت زوجها مع علمهم بأنَّه لا يطاق. تلك خصيصة محمودة في الأهل، ويشاع أنَّها تساعد على عدم تهديم بيت ابنتهم. لكنْ بالنتيجة، يحدث أنْ يستقوي الزوج على زوجته، وبأهلها «الأخيار» الذين لا يشجعونها على التمرد عليه. على عكس هذه الطريقة في التعامل، بعض الأهل يتركون حبل ابنتهم على الغارب، بل يشجعونها على الزعل، قائلين لها: البيت بيتك، لا تهتمين، وبالتالي، قد ينتهي أمرها بالطلاق، أو على الأقل، بحياة تتأرجح بحبالٍ واهية، ويصبح بيت الزوجيَّة أوهى من بيت العنكبوت.
الأحرى أنَّ الأهل، في الماضي، كانوا يفضلون بقاء ابنتهم مع أسوأ الأزواج، على أنْ تأتيهم مطلقة، مسودة السمعة، لأنَّ ذلك يعني بقاءها جالسة في ظل الحائط في انتظار «قسمة» قد لا يأتي. بل إنَّ هذه المطلقة قد تتحول إلى وصمة عار على شقيقاتها اللواتي لم يتزوجن بعد، فوجود مطلقة في بيتٍ ما يخلق الانطباع عند الآخرين بأنَّ الأسرة المذكورة غير مأمونة من ناحية بناتها، ومن المنطقي أنْ يتردد الآخرون ألف مرة قبل أنْ يطرقوا بابها. الحق أنَّ هذا المنطق ساد لمئات السنين في مجتمعاتنا العربيَّة، والنتيجة أنَّ حالات الطلاق ظلت قليلة عموماً. لكنْ بالمقابل، قلة حالات الطلاق لا تعني أنَّ المجتمع فاضلٌ ومتماسك، بل ربما على العكس، فخلف الأبواب المغلقة، يمكن للأسر المعقدة أنْ تتكاثر، لأنَّ الأم المقهورة المجبرة على العيش مع زوج سيئ لا تربي  أبناءً أسوياء أبداً، وما يخبئه الكبت في الصغر، سوف ينفجر لا محالة في الكبر.
السؤال هو؛ أما زال المثل آنف الذكر صالحاً للعمل حتى اليوم؟ هل تبدلت النظرة الاجتماعيَّة للمطلقة؟ لماذا زادت معدلات الطلاق بطريقة غير مسبوقة؟
أحتفظ بهذه الأسئلة لمقالة قادمة، وتذكروا ما بدأنا به: اخذ مطلكات البين ولا تاخذ مطلكات الرجال، ويا عجبي!