«غورنيكا» فلسطينية

قضايا عربية ودولية 2023/10/22
...

علي حسن الفواز

الحروب الملعونة تتشابه، والمحاربون الذين يخرجون من أوهام التاريخ يكونون أكثر تورطاً في هذه اللعنة، فمنذ حروب التصفية العرقية، إلى حروب الاستعمار، والحروب القومية، إلى حروب الايديولوجيا الباردة والساخنة، وانتهاءً بحرب غزة التي جعلت من " الوهم الإسرائيلي" توصيفاً قارّاً لتلك اللعنة، وفاضحاً لصدمة الغياب، وكاشفاً عن ذاكرة أجيال جديدة لم يأكل الوهم من حكاياتها، رغم كلّ العنف الواقعي والمثيولوجي الطارد والمتوحش..
ما حدث في حرب "الغورنيكا" كشف عن رعب الفاشست وهم يقصفون تلك المدينة الوادعة، تحت وهم التصفية الايديولوجية، مثلما أعطى لـ"بابلو بيكاسو" أن يُخلّد المدينة وضحاياها، وأن يجسد تفاصيل يوميات الخوف والموت، فكانت لوحته الكبيرة ممارسة في صناعة الخلود، إذ تحوّلت الى شاهدٍ على لعنة الحرب ووحشيتها.
ما حدث في مستشفى المعمدان يكشف عن فاشستية أخرى، أكثر رعباً وقسوة، حيث ارتكب القتلة "الإسرائيليون" جريمتهم الملعونة، ليبرروا وهمهم باغتيال المكان الذي ظنه الأطفال والنساء آمناً، حسب ما تقول قوانين المجتمع الدولي ووصايا الكبار!!.
ما جرى في هذه "الغورنيكا الفلسطينية" يحتاج إلى مَن يُخلّده، وإلى مَنْ يجعله أثراً فاضحاً لجُرحٍ غائر في ضمير الإنسانية، ولكي يظل عنواناً لـ"الموت العمومي" الذي فرضته الكراهية الإسرائيلية، بعيداً عن كلّ قواعد الاشتباك التي يعرف أصولها العالم، فكانت هذه المجزرة خرقاً إنسانياً، وتمثيلاً لأبشع صور الكراهية والعنصرية، والتي عرّت أوهام مفاهيم  "الديمقراطيات الغربية" التي تتشدق دائماً بحماية الحريات والحقوق..
الانحياز الغربي والأميركي للسلوك "الإسرائيلي" يضع علامة استفهام حول تداولية تلك المفاهيم، ومدى شرعية معايير تطبيقها، وفضح ما يتعالق بها من ممارسات سياسية موغلة بعنصريتها وعبثيتها، فزيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى إسرائيل، وزيارة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في لحظات الحرب، تعني أنهم جزء من تلك الحرب، وأن تصريحاتهم بالانحياز دفاعاً عن إسرائيل تكشف عن مشاركتهم الحقيقية في تلك الحرب الملعونة، وحتى سكوتهم على جريمة مستشفى المعمدان يعني خذلاناً لدور المجتمع الدولي، مثلما يعني اشهاراً بموت النسخة الغربية من "الديمقراطية" ودعوة إلى تخليد هذه الجريمة عبر العمل على تحويلها الى عملٍ فني أو جدارية كونية تُجسّد تاريخ الوجع، لتحمل صفة"غورنيكا" جديدة، تتمثل تعبيراً عن موقف أخلاقي ضد اكراهات الحرب الملعونة التي تمارس يومياتها المؤسسة الإسرائيلية العنصرية بكل قباحة فاضحة.