ما بعد تشرين غزة

آراء 2023/10/23
...






 ابراهيم العبادي

 الهدف  الإسرائيلي النهائي هو القضاء على حركات المقاومة الإسلاميَّة في غزة أولا والضفة الغربية ثانيا، القضاء على حماس والجهاد في غزة، يقتضي تدمير البنى التحتية المادية والاجتماعية والمؤسسات والتنظيمات والعلاقة الفكرية والسياسية بين جمهور غزة والتنظيمات الإسلاميَّة الدينية، هدف إسرائيل هو تلافي الخطأ الذي ارتكبه شارون بالانسحاب من غزة عام 2005 وترك القطاع يعاد بناؤه ليصبح قاعدة (جهادية)، وفق الرؤية الدينية الإسلاميَّة، لا وفق منظور حركة فتح والفصائل الفلسطينيَّة، ذات الفكر الوطني أو القومي

حرص مسؤولون أمريكان وصهاينة على توصيف ما جرى يوم السابع من اكتوبر/ تشرين الاول في مستوطنات غلاف غزة بأنه نموذج آخر لهجمات 11 سبتمبر/ ايلول عام 2001، التي ضرب بها أتباع أسامة بن لادن برجي التجارة العالميين في نيويورك ومقر البنتاغون الأمريكي، التوصيف والتشبيه ليس لبيان الصدمة والرعب، الذي حلَّ بالكيان العبري فحسب، بل لبناء صورة الرد العسكري  الإسرائيلي ومدياته تشبها بالنموذج الام، نموذج أمريكا بوش الابن التي ردت على 11 سبتمبر بحربين كبيرتين في افغانستان وبعدها في العراق.

 الهدف  الإسرائيلي النهائي هو القضاء على حركات المقاومة الإسلاميَّة في غزة أولا والضفة الغربية ثانيا، القضاء على حماس والجهاد في غزة، يقتضي تدمير البنى التحتية المادية والاجتماعية والمؤسسات والتنظيمات والعلاقة الفكرية والسياسية بين جمهور غزة والتنظيمات الإسلاميَّة الدينية، هدف إسرائيل هو تلافي الخطأ الذي ارتكبه شارون بالانسحاب من غزة عام 2005 وترك القطاع يعاد بناؤه ليصبح قاعدة (جهادية)، وفق الرؤية الدينية الإسلاميَّة، لا وفق منظور حركة فتح والفصائل الفلسطينيَّة، ذات الفكر الوطني أو القومي والتي قبلت بحل الدولتين، الوصول إلى هذا الفكر وهذه النتيجة تقتضي حربًا برية وردمًا للانفاق، وتحطيما لكل شيء فوق الأرض وتحتها، أي تجريد الغزّاويين من كل مقومات الحياة بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهذه النتيجة المتخيلة العسيرة، تستلزم إدارة معركة متعددة الوجوه والاحتمالات، وحساب المخاطر التالية:

1 - خطر اتساع الحرب تحت عنوان الدفاع عن الوجود، ففصائل المقاومة سترفع شعار أنا التالي وعليَّ الدخول في المواجهة للمشاركة في ترتيبات الحل، وحتى لا يكون الحل على حسابي، وفق هذه الحسابات من المتوقع أن تتدحرج كرة النار الغزّاوية، لتشعل حرائقها في لبنان والعراق وسوريا إلى حدما، وقد تشهد المنطقة برمتها (رد فعل)، ضد مصالح الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، وقد انتبه الغربيون وحلفاؤهم في المنطقة إلى ذلك وعملوا على منع توسيع رقعة الحرب والتصعيد، انطلاقا من هذه المخاوف، لكن المخاطر على الأرض وتحولات المواجهة والصراع لا يمكن السيطرة عليها وقد تنفلت الامور في اي لحظة.

2 - تراهن أمريكا والدول الغربية على إمضاء مشروع الانتقام والثأر الإسرائيلي، بشرط ألّا تخرج الأمور عن السيطرة شعبيا في الشرق الأوسط، فاذا استمر رد الفعل الشعبي الغاضب وتحول إلى أفعال عنيفة ضد مصالح الغرب، كلما اقترفت إسرائيل مذبحة جديدة، فإن الحرج الأخلاقي سيتصاعد ويضرب الخطاب الغربي في الصميم، لا سيما أن ساسة الغرب فشلوا في تغطية وتبرير الانحياز الأعمى لإسرائيل، وسيتصاعد سؤال الأخلاق ليجرد الساسة والحكومات والاحزاب والقوى المنحازة من كل مسوغ ومشروعية في دعم الانتقام  الإسرائيلي، وسيؤدي ذلك إلى إثارة مفاهيم الصراع الديني والحضاري، وهذه ستحرك بدورها خطابًا عنيفا ومتطرّفًا، أساسه الإحباط والرد على الظلم المستلزم للعنف الشامل، وسندخل في دائرة (الإرهاب الشعبي) المقاوم لإرهاب الدول المتغطرسة المنحازة، أي أن الأمن القومي لكثير من الدول لا سيما أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا، سيكون عرضة لتهديد خطير. فالظلم والتحيز وانعدام المسؤولية الأخلاقية أسبابٌ كافية لإطلاق موجة من العنف والعنف المضاد، وسيكون على العالم مواجهة تحدٍ جديد، سيكون امتدادا أو قريبا لفكر التيارات الدينية المتشددة والمتطرفة، التي ستضرب البريء والمدني قبل المتهم والعسكري والأمني بمسوغ (كلهم أمة واحدة). ولا فرق بين رجل الشارع وأولئك الذين يديرون السلطات والرأي العام ويضعون السياسات.

3 - إن استبدال الحركات (المعتدلة) الوطنية والقومية بالحركات الإسلامية، يستلزم دعم شرعية ومشروعية المعتدلين بالاستجابة للحد المعقول من مطالبهم، التي تلبي احتياجات الشارع وهمومه، وبوجود عقل يميني متطرف رافض لذلك، ويجهر بمعاداة التعايش العادل والاخلاقي فان المعتدلين سيخسرون جماهيريا وتتآكل مشروعيتهم وسيتهمون بالخضوع للاحتلال والتفريط بحقوق الأمة ومقدساتها. لذلك فإن عودة السلطة الفلسطينيَّة إلى حكم غزة وضبطها أمنيا بدون مكاسب حقيقية وكبيرة للسكان ستؤدي إلى حرب اهليَّة تدمر الحياة في الاراضي الفلسطينيَّة المحكومة ذاتيا، وهذا خيار خطير وليس مستبعدا.

4 - الاخطر من ذلك الحرج الذي ستواجهه حكومات وانظمة المنطقة وانقسام الرأي العام في مجتمعاتها، بما ينعكس صراعات داخلية وعدم استقرار أمني، وانتشار لفكر الهويات الدينية والحضارية، وسلوكيات الرفض للغرب والانظمة المتحالفة معه، إن دولًا هشّة عديدة ستقع فريسة لخطاب ونفوذ حركات وفصائل دينية تدعو إلى المفاصلة الجذرية مع الغرب، بمفاهيم التيار القطبي والحرب الدينية، وسيكون هدف بناء دول مستقرة بأنظمة ديمقراطية ومنجزات تنموية معقولة وشرعية سياسية راسخة ضربًا من الخيال، وسيشتد الصراع على السلطة والثروة ويزداد القلق الأمني، وتتهدد مصالح الغرب أكثر من ذي قبل في عصر تنامت فيه قوى المنظمات غير الدولتية وتراجعت قوة الدولة.