علي حمود الحسن
ربما قتله لص لا يعرف أي حياة أنهى، إذ توفي المخرج الإيراني المخضرم داريوش مهرجوي وزوجته كاتبة السيناريو واستاذة الفلسفة وحيدة محمدي فر، السبت الماضي، طعنا بالسكاكين في منزلهما الهادئ بكرج قريبا من طهران، الذي يقضي فيه مهرجوي خريف عمره بصحبة محمدي وابنتهما منى، لم يكتف المجرمون بذلك، انما مثلوا بالجثتين وقطعوا رؤوسهما، فكأنما جسد موت هذا المخرج المتفلسف، تراجيديا شكسبيرية دامية.
مهرجوي المولود لأسرة بسيطة عام 1939، وجد في محمول جدته الرمزي - سليلة متصوفة وعبدة نار - معلما وموجها تعلم منها الموسيقى والقصص، شغف بالسينما والفلسفة، تعلم الإنكليزية مبكرًا، حصل على فرصة للدراسة السينما في أميركا، لكنه تحول إلى الفلسفة (ستلازمه ثنائية السينما وفلسفته حتى آخر أيامه)، عاد إلى طهران فأخرج فيلمه الأول بعنوان " ماس" (1946) وهو فيلم مغامرات و"أكشن" لم يكن فاشلا، ولا ناجحا أيضا.
أراد مهرجوي لأفلامه أن تبث أملا وتشيع إيمانا في مجتمع مغيب عن الوعي، يومئذ، كانت السينما الإيرانية يتجاذبها تياران؛ الحكاية الوعظية وفكرة "البطل ذي المصير البائس"، وبحسب صانع الأفلام إبراهيم كلستنان، فإن إرهاصات حداثة السينما، ليست بدايات الستينيات وما بعد منتصف السبعينيات، انما تغور عميقا في الثلاثينيات والاربعينيات، وإن كانت بمحاولات فردية، أنجز فيلمه "البقرة" (1969) الفريد بقصته ومعالجته وتوظيف رموزه، والأقرب إلى الواقعية السحرية، فبطل قصته فلاح مغرم ببقرته حد التماهي، التي ما أن تموت حتى يتحول إلى بقرة.. أسهم داريوش مع مخرجين ونقاد في بلورة تيار أطلق عليه النقاد "موجة السينما الإيرانية جديدة"، منهم: مسعود كيمائيي، وفوروغ فاروخزاد، وبهرام بيزاي، وناصر تقواي، وإبراهيم كلستان، وفرح غفاري، وغيرهم..
عانى صاحب "ساعي البريد" من الرقابة أيام الشاه، وحينما زكّى السيد الخميني فيلم "البقرة"، وأشاد بفكرته وموضوعه، حتى أنه طالب صنّاع السينما أن يتخذوه أنموذجا، فأحدث ومعه جيل من المخرجين الشباب والمخضرمين، نقلة نوعية في تاريخ السينما الإيرانية، معتمدين مواضيع فلسفية واجتماعية، بل وكوميدية أحيانا، استقبلتها المهرجانات المحلية والعالمية بحفاوة بالغة، فاستقطبت جمهورا محليا وعالميا، حاصدة الكثير من الجوائز الكبرى، أبرز هؤلاء : كيارستمي، وبيضايي، ومهرجويي، ومحسن مخملباف، وإبراهيم حاتمي، وجعفر بناهي، ومجيد مجيدي.
قدم داريوش أفلامًا مهمة شكلت علامات مضيئة في مسيرة السينما الإيرانية، منها: "هامون"، "سماء المحبوب"،"طهران تبحث عن الجمال"، "السنطوري"، و"ضيف الأم"، و"ميكس"، و"قصص الجزيرة"، و"لیلی"، والمستأجرون"، و"المدرسة التي كنا نذهب اليها".. من وجهة نظري المتواضعة، أن مقتل هذين الفنانين المميزين جريمة جنائية، خصوصا أن سرقة وقتل المشاهير ظاهرة موجودة في إيران وإن كانت محدودة.