إجابة بلاغيَّة

الصفحة الاخيرة 2023/10/24
...

حسن العاني

في محاولة من أحد أصدقائي لإخراجي من عزلتي، وحالات الكآبة، التي لازمتني بعد الذي تعرضت له من إساءات صدرت عن ناس أحبهم واحترمهم، وكنت أظن أنهم يبادلونني الحب والاحترام.
أصر على اصطحابي لحضور (توقيع كتاب) صدر حديثاً، ولم يعطني أذناً صاغية لسماع اعتذاري، وأنني بحكم ظروفي النفسية أصبحت مثل المرأة العراقيَّة أيام زمان، لا تغادر بيتها إلا مرتين في العمر، الأولى من بيت أهلها إلى بيت الزوجيَّة، والثانية من بيت الزوجيَّة إلى القبر!.
كانت أمسية (التوقيع) رائعة ونقلتي إلى خارج سجني الانفرادي في المنزل، ومن محاسن المصادفات رأيت أكثر من صديق أخذني بالأحضان، وكل واحد يفسح لي مكاناً الى جانبه... جرى حوارٌ ثقافي جاد حول الكتاب، لم يستغرق طويلاً، وفوجئت بصعود عريف الحفل المنصة، وهو يرحب بي ترحيباً أوقد النرجسية في خلايا جسدي، حتى كدت أفقد شعوري، ثم دعاني للصعود الى المنصة لأن الجمهور – على حد زعمه – طلب منك التحدث عن تجاربك الأدبيَّة والصحفيَّة.
أحسست أن قلبي ينبض من اليمين، وأن بي حاجة إلى مليون لتر من الشجاعة، لأن هذا (العريف) ما كان له أن يُقدمَ على ما أقدم عليه لو كان يدري بأنني ما زلت حتى هذه اللحظة لا أميز بين (البيت الأبيض والقصر الأبيض) ولا بين (بايدن وبوتين).. كان الله في عوني وأنا أحاول استنفار ذاكرتي، فلم أفلح في استنفارها بعد أن وهن العظم واشتعل الرأس... ما كدت أقف وراء المايكروفون، حتى سألني أحد الحضور سؤالاً مفاجئاً
[استاذنا الكبير حسن العاني ... كونكم علماً من أعلام السياسة .. ماهو رأيكم بالربيع العربي؟!]، هذا السائل الذي نالت أمه مني أسوأ الشتائم السرية لمجرد وصفي بالكبير والعلم من أعلام السياسة، فكيف وهو يسألني عن (الربيع العربي)؟!.
على أية حال تنحنحت مثل كبار السادة المسؤولين، وكرعت قدح العصير الذي أمامي الى آخر قطرة مثل أولاد الفقراء وابتسمت ابتسامة توحي بأنني مسيطر على الإجابة، ثم تحدثت قرابة ربع ساعة حديثاً متواصلاً أتحدى نفسي كما أتحدى الحاضرين لو فهم أحد منهم جملة واحدة منه.
وتحت تأثير النفاق والأبهة التي وصفني بها السائل التهبت الأكف بالتصفيق، وظننت أن الأمر انتهى، ولكن السائل المصر على فضح ثقافتي السياسية الضحلة، عاد وسـألني عن رأيي تحديداً بالربيع العراقي؟!، صحيح أنا أمي في السياسة، ولكنني لست غبياً في التعرف على النوايا اللئيمة، ولذلك قلتُ له [ جنابك تعرف أن الربيع لا يمر في العراق أبداً، فنحن (شتاء بارد قليل المطر، وصيف حار جاف عديم الكهرباء)، وضحك الجمهور من أعماقه وصفق طويلاً، ظناً منه بأن إجابتي بلاغية وتقوم على التلميح والذكاء!.