سعد يكن: لا يمكن فصل الرسم عن السياسة

ثقافة 2023/10/25
...

  حاورته: رندة حلوم  


من حلب إلى العالم عبر دراما اللّوحة إلى مكنونات النّفس البشريّة، أبحر في بحر بيروت، وتناول الفن عن طريق فلسفة الوجود، لم ينقطع عن آلام مجتمعه العربي حمل قضاياه إلى العالم، هو التّشكيلي سعد يكن في حوار البدايات وما بعدها وصولاً إلى الحداثة:

• يقولون العبرة في النّهايات، لكن في الفن أعتقد أن البدايات هي معلم راسخ، كيف ومتى بدأت؟

- بدايتي مع الرّسم كانت في المرحلة الإعداديّة، من خلال مركز الفنون التّشكيليّة، حيث درست سنتين في وقت مبكر عام 1965، وانطلقت إلى العمل والرّسم بعمر مبكر، آنذاك كان السّائد هو الرّسم الواقعي، وبالفعل أخذت أرسم من دون تحويرٍ، أو تجاوزٍ للشّكل الواقعي، وفي أواخر السّبعينيات تعرفت على الفنان لؤي كيالي، وكنت أمشي معه وأرسم كما يرسم "الموديلات" الواقعيّة، وكذلك أرسم ما أراه في المقهى أو الحديقة كالبائعين من دون البحث عن هويّة خاصة بي.

• متى بدأت ملامح التّجربة الخاصة بك؟

 - فيما بعد تطورت تجربتي بالاسكتشات، وكنت أحبّ هذا بشغفٍ كبيرٍ، وأتردد على مسرح الشعب في حلب أحضر "بروفات" المسرحيّات، وأرسم الحركة من خلال "البروفة"، وليس من خلال العروض، لقد كنت أحبّ هذا، لأنّه رسمٌ سريعٌ جداً كي تأخذ الشّكل في حالة الحركة، فهنا نحن لا نرسم "موديلاً" من هذا المنطلق كانت علاقتي مع المسرح والمقهى قويّة ومباشرة، وهي بداية العملية آليّة للرسم.

• في تلك المرحلة كنت قد بدأت بالخروج من دائرة الاسكتش، لماذا وكيف كانت تلك النّقلة المهمة؟

- نعم، كانت بداية خروجي من تلك الدائرة إلى مواضيع خارج دائرة "الاسكتش"، وانطلقت للبحث عن موضوع تعبيري، وهنا بدأت بتناول قضية العائلة الفلسطينية في لوحاتي عبر الرسم بالأبيض والأسود، تعبيراً عن المرحلة الدرامية للإنسان الفلسطيني ببداية السبعينات وعن واقع القضية الفلسطينية والإنسان الفلسطيني في هذا العالم.. لقد شدّني الإنسان ومتحركات الحياة إلى الحركة في الفن والخروج من دائرة الاسكتش.

• في السّبعينات كانت مرحلة الحركات السّياسيّة، هل تأثرت بها كفنان وكإنسان؟

- لديَّ معارض عدة، منها في بداية السبعينات أنا ولؤي كيالي ووحيد مغاربي، أما معرض بدار الفن والأدب، فقد كُنّا ثلاثة فنانين من حلب وكانت بدايتي بالانطلاق كفنان من خلاله، حيث بدأت بالتعرف على فنانين كبار وحملت كلّ المواقف الدرامية للإنسان، لأنَّ في ذلك الوقت بالفعل كانت في السبعينات موضة الأفكار والحركات السياسيّة، وكان الفنان الذي لا يرسم للآخرين هو فنان "تافه" مثل "قل لي لمن ترسم أقل لك من أنت".

* هل من مهمة الفن توعية المجتمع من وجهة نظرك؟

- هذا شيءٌ سطحيٌّ، لأنّه ليس من مهمة الفن توعيّة الإنسان، هذا من عمل وزارة الثقافة، المهم أن يقدم له عملاً فنيّاً، وعلى المتلقي أن يكون لديه أرضية، لكن مع الأسف لا الثّقافة، ولا التربية اهتمّت بمدرّس الرّسم في المدرسة من أجل أن يكون قادراً على تخريج من يستطيع أن يقف أمام لوحة.

• تعددت موضوعاتك بين المسرح، المقهى، ألف ليلة وليلة، الأبراج، فماذا وراء ذلك من خلفية فكريّة ونفسيّة وجماليّة؟

- موضوعاتي التي أرسمها مهمة بالنسبة لي، لأنّها تمثل موقفي من العالم ومن آرائي، لأنّه لا يمكن فصل أي فعل إنساني عن السياسة، ولا يمكن فصل رسم أي فنان عن السياسة، لأنّ السّياسة هنا مرتبطة بالثقافة وعلاقته مع الإنسان وأزمة الإنسان المعاصر.

* المقهى موضوع بارز في عملك الفني، لماذا؟

- معارض عن القهوة تناولتها بشغف، لأنّه في فترة السّبعينات كان المقهى مثل المركز الثّقافي والبحث الفكري مع الأصدقاء والمناقشة، هو بالنسبة لي مهم جداً، وقضيت عشرين عاماً من حياتي في مقاهي حلب، وكنت أرى أنّ النّاس في المقهى ملتصقة جسديّاً لكنّها منفصلة نفسيّاً، ومن هنا أرى أن تجمع القهوة كثيفاً ومنفصلاً نفسيّاً.

• كيف وصلت إلى تلك المكانة الكبيرة خارج الوطن العربي متجهاً إلى العالم؟

- 55 معرضاً فرديّاً في العالم حتّى الآن في سوريا، لبنان، الخليج، الكويت، ألمانيا، كندا، الولايات المتحدة، وهناك الكثير من لوحاتي في متاحف العالم في ألمانيا مودي نارت نجوي موريال والأردن وسورية، وكانت لي حركة نشيطة في العرض خارجاً المكانة التي وصلت لها عالميّاً كانت نتيجة عملي الدؤوب.

• ما قولك في الحداثة، وما بعدها كمفهوم وكمصطلح؟.

- مفهوم العمل هو الذي يوصل لمفهوم الحداثة، وأنا بالأصل قصة الحداثة ومابعد الحداثة ومقابل الحداثة التي يتكلمون عنها أراها كلّها مفاهيمٌ متخبطة مع بعضها البعض، وهي مجرد لغوٍ فكريٍّ، أو مجرد كلام، فلا يوجد شيء اسمه قبل وبعد الحداثة، أمّا بالنسبة للمدارس كالانطباعيّة والتكعيبيّة والسّريانية، فهي تعد مراحل تحول تاريخ الفن في أوربا، والتي سمحت بوجود توجهات قد شكلت لاحقاً المدارس، بينما الآن الموضوع منفتح ويجب أن يكون منفتحاً.

• شُغلت بالإنسان وما زلت منذ البدايات حتى اللحظة الراهنة مشغولا به، ما الدافع والهدف؟

- أنا أهتم بمشكلة الإنسان، وخاصة في الأعوام العشرة الأخيرة، وبالأزمات السياسيّة والعسكريّة التي حدثت في المنطقة واثرت علي نفسياً وجعلتني في هبوط نفسي من خلال عملي، فكل ما أنوي أن أذهب إلى عمل من داخلي لا أكون سعيداً، فأذهب بشكل مباشر إلى الأبيض والأسود، رغم ذلك فإنّني أعمل قليلاً بمفاهيم إيجابية مثل معرض الفراشة الذي أقمته عام 2017 في بيروت، حيث تناولت الفراشة كموضوعٍ رئيسي، فلحظة رؤية الفراشة في الطّبيعة، تمنحك الراحة أو الأمل أو الضحكة، فموقف الفراشة إيجابي جداً؛ لذا فمن ضمن هذه الضغوط الإنسانيّة لشخوصي تكون هناك فراشة بداخلهم، أو حولهم وهذا الأمر يمنح رغبة داخليّة بالتفاؤل.

• كيف تفسّر وجود المرأة في لوحاتك وما أبعاد هذا الوجود؟

- أسعى إلى وجود امرأة في لوحاتي، وهو وجود درامي، لأنّها تشكلّ نقطة بهجة للرجل، والرجل يشكل نقطة بهجة، وهما متحدان في الحزن، والأزمات، لذلك أرسمهم وهم يتعاطفون مع بعضهم للخروج من أزمة ما، لذلك لا أتناول المرأة كمفهوم جمالي بحت وجسد، شعر وجسم وغير ذلك، بل إنسان، أي من دون مفهوم جمالي شكلي مباشر، بل ضمن مفهوم تعبيري 

نفسي.