زيد الحلي
بين مدة وأخرى، نشاهد منشوراتٍ مسيئة للطب والأطباء، تستند على معلومات مبتورة، مبنية على منقول الكلام، وصدى غير مسؤول لحالة شاذة يتم الاعتماد عليها، وكأنها حقيقة لا تقبل النقاش.
وهذه المنشورات أثارت بيّ الشجون والعبرات، فأنا أب لدكتورة، تخرجت في كلية طب جامعة بغداد قبل نحو عقدين من الزمان، وحين أتذكر السنوات الست، التي قضتها ابنتي في الكلية، التي ابتدأت بدراسة موسوعة (سنيل) ذائعة الصيت والشهرة في علم الطب لصعوبتها الجمة، والخاصة بعلم التشريح وانتهت بدراسة علم الأمراض بأنواعها، فإن الألم يعصرني على سنوات التعب والمذاكرة والسهر والمتابعة التي عانتها، ومثلها زميلاتها وزملاؤها وهي تفوق الوصف.
وعندما نالت شهادتها، لم تتنفس الصعداء مثل بقية خريجي الكليات الأخرى، بل زاد انكبابها على المتابعة للبحث في كل جديد، فعلم الطب حالة علمية استثنائية، تتوهج بالصبر والمتابعة.
ففكر الطبيب، فكر يقظ، لا يعرف السكينة، ومن هنا حظيت هذه المهنة باهتمام الدول والشعوب، لذلك أجد من الضروري أن يزداد الاهتمام بشريحة الإطباء، كونهم ثروة إنسانية، من خلال فهم دورهم في بناء المجتمع.. وعدم التمسك بقشور سلوك البعض ونسيان لب وجوهر إنسانيَّة المهنة وأدواتها البشريَّة.
لا أريد أن أمثل دور المحامي عن الطب والأطباء في وطني، أو أن أشير إلى ما يتعرضون له من مخاطر العدوى، وحسد بعض الفاشلين، وعدم تمتعهم بحياة رغيدة، فمن دوام المستشفى في الصباح الباكر إلى العيادات، التي يقضون فيها ساعات المساء والليل، وتلبية نداءات الأقارب والجيران في غبش الصباح لحالة طارئة هنا أو هناك... حياة بعيدة عن التواصل الاجتماعي، التي تعيشها بقية الطبقات، وهي صورة قاتمة لا يحس بها إلاّ من يعيشها عن قرب، مع الاعتراف أن ظاهر الأشياء غير باطنها، وهذا الظاهر يتمثل بما يكسبه بعض الأطباء من وفير المال، وليس الجميع، بعد جهد سنوات طويلة من الكد وفقدان ألق الشباب وتحصيل مستمر للجديد في علم الطب.
إن انسانية الطبيب، تنبع من مكان عميق في ما وراء الذكاء، وهي مسؤولة عن ومضة أو قدحة الفكرة من أجل خدمة الوطن والمواطن ..