كلّ عام والأمم المتحدة بخير وقلق

العراق 2023/10/25
...

أحمد عبد الحسين



أمس كان يوم الأمم المتحدة. وهو اليوم الذي يحتفل فيه العالم بذكرى إقرار ميثاق هذه المنظمة الدولية التي ألزمت أعضاءها بالاحتفال به تذكيراً بأهدافها ومنجزاتها.

لا أظنّ أن الأمم المتحدة احتفلتْ طوال تاريخها بهذا اليوم من دون أن تكون هناك أزمة أو حرب أو كارثة تحدث في مكان ما من هذا الكوكب المبتلى بشرور سكّانه. لكنّها تحتفل هذه السنة بتجدّد معضلة العالم التي لا تريد أن تنتهي: فلسطين التي كثرتْ جراحاتها ونزفها بسبب وحشية المحتلّ ولا إنسانيته وبسبب استسلام العالم كلّه لهذه الوحشية واعتياده عليها والتعاطي معها كأنه قَدَر لا مقرّ منه.

لفلسطين مع الأمم المتحدة حكاية تلخّص تاريخ مأساة فلسطين وتاريخ عجز الأمم المتحدة عن أن تكون فاعلة في المواعيد الكبرى. فمنذ 1947 أي قبل أن يعلن الكيان الغاصب عن نفسه دولة، وحين كانت فلسطين اسماً لدولة معترف بها لكنها تحت انتداب البريطانيين، أصدرت المنظمة الفتيّة آنذاك قرارها بضرورة تأسيس دولتين اثنتين واحدة للعرب وأخرى لليهود. وفي السنة التي تلتها أصدرت قرارها ببطلان تهجير العرب من ديارهم وأوجبت على العالم إعادة المهجرين قسراً إلى ديارهم. وكلما مرتْ سنة كانت إسرائيل تقضم الأرض ولحم الفلسطينيين بشراهة وكانت الأمم المتحدة تصدر قراراتها التي لا أحد يسمعها لأنّ صوت قذائف الاحتلال قويّ، وصوت الفيتو الأميركي أقوى.

عشرات القرارات والتوصيات ذهبتْ سدى، وكلّ الأمناء الذين تتابعوا على رئاسة هذه المنظمة كانت وظيفتهم أمام فلسطين تشبه تماماً وظيفة أيّ عامل بناء عربيّ يشرب شايه في المقهى: الشعور بالقلق على فلسطين.

كانت فلسطين وما زالت امتحاناً لحسّ العدالة في ضمير هذا الكائن المسمى إنساناً، لكنها امتحان أكبر للأمم المتحدة على وجه الخصوص، وبينما لم ينجح الضمير الإنساني في امتحانه، فإنّ الأمم المتحدة سلّمتْ ورقة الامتحان فارغة بسبب قلقها الشديد.

 أسهل وظيفة اخترعها الإنسان طوال تاريخه، وهي وظيفة مربحة للغاية، هي أن تكون بين يديه مقدّرات المنظمة الكوكبية الأكبر فيجلس على مقعد فارهٍ ويشعر بقلق مدفوع الثمن.

نحن جميعنا قلقون على ما يحدث في العالم، وقلقنا الأكبر على الأمم المتحدة التي تنزف من أهميتها وجدواها مع نزف الأطفال الفلسطينيين في غزة، لكنّ قلقنا عليها قلق مجانيّ.

كل عام والأمم المتحدة بخير وقلق!