قانون ولكن

آراء 2023/10/26
...

  ميادة سفر

على الرغم من لجوء الكثير من الدول والحكومات إلى إصدار القوانين والتشريعات، الأكثر شدة وصرامة لمكافحة الجريمة التي تزداد انتشاراً، إلا أنّ الحال بقي على ما هو عليه، فلا الجريمة قلت ولا الناس ردعوا، واستمر خرق القانون وأحدثت أساليب وطرق جديدة لخرقه والالتفاف عليه وتجاوزه، وعلى الرغم من أنّ مقياس تحضر المجتمعات وتطورها إنما يقاس باحترامها للقوانين والتزامها بها، تبدو مجتمعاتنا في آخر السلم الحضاري، إذا أخذنا بعين الاعتبار آلية تطبيق القوانين ومدى جديتها وقدرتها على معاملة الناس بشكل متساوٍ، دون التأثر بأصحاب النفوذ والسلطة أو المال.
لكن ما الذي يدفع البعض لاحترام القانون وآخرون لخرقه؟ يرى علماء الاجتماع أنّ الضمير هو الذي يدفع الفرد لفعل الصواب واجتناب الخطأ، وهو الذي يجعله يطمئن لأمر ما فيفعله أو ينتابه الشك تجاهه فيتجنبه، وأما الضمير فقد عرفه علم الاجتماع بأنه: «قدرة الإنسان على التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها مع قيمه الأخلاقية»، وهنا تلعب التربية والأخلاق والقيم دوراً أساسياً في تفعيل الضمير أولاً وبالتالي احترام القوانين ثانياً.
تواجه القوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية في بلادنا استهتاراً واستخفافاً من قبل طرفيها المواطن والسلطة، من انتشار المخدرات إلى التسول والتحرش والاغتصاب، تلك الجرائم التي تطال الإنسان وتهين كرامته وتعتدي عليه، وصولاً إلى المخالفات التي تشوه المنظر الحضاري للبلد، فالكثير من مخالفات البناء على سبيل المثال أدت إلى تشويه المظهر المعماري للمدن، كما التعدي على الطرقات والشوارع التي أدت إلى كوارث بصرية وبيئية.
تفتقد الكثير من مجتمعاتنا ثقافة احترام القانون، وقد ساهم الفساد وانتشار الرشوة في انتهاك الكثير من القوانين، فضلاً عن تهاون المشرع في سد الثغرات التي تعتري القانون، وعدم التشدد في تطبيقها، مقابل اعتقاد البعض أنّ الالتزام بالقانون ضعف، والتحايل عليه قوة وذكاء، والمفارقة أنّ أي فرد منا يسارع للتقيد بالقوانين والأنظمة بمجرد انتقاله لأي بلد أجنبي، بينما يخالفها ويتجاوزها ويعتدي عليها طالما بقي في بلاده، لأن تلك الثقافة غير متوفرة أو معممة في
بلادنا.
في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية تزداد نسبة الجرائم، وهو ما تعاني منه الكثير من البلاد العربية، ولا يمكن بأية حال مقارنة أي من بلادنا بدولة أوروبية لأن الفرق شاسع والاختلاف كبير، فإن كانت تلك الدول تحترم القوانين والشرائع، فلأنها عملت لسنوات طويلة على تربية جيل يحترمها وغرست القيم الأخلاقية التي من شأنها الحفاظ على المجتمع والدولة على حد سواء، أما هنا يعتقد البعض أن مؤسسات ودوائر الدولة والبنى التحتية ملك للسلطة فلا يتوانى عن تخريبها والتعدي عليها، نعم توجد لدينا قوانين لكن تطبيقها في كثير من الأحيان يصطدم بالكثير من المعوقات والمحسوبيات والرشاوى، إنه قانون! ولكن! ويبقى القول مشرعاً لكثير من التأويلات.