عبدالزهرة محمد الهنداوي
عجيب أمر هذا العالم الأوروبي المتأمرك حد النخاع، عالم، يدّعي الإنسانيَّة، والدفاع عن حقوق الشعوب المنكوبة، ولكن هذا العالم سرعان ما ينقلب على (مبادئه الصورية)، فيتحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، أو حتى يستدير إلى الخلف، من دون خجل أو ادنى حياء، واليكم الدليل.
عندما أعلنت روسيا الحرب على أوكرانيا، في شباط 2022، تداعت أوروبا بقضها وقضيضها، تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، معلنة موقفها القوي الداعم لأوكرانيا، فالشعب الأوكراني، مظلوم، ويستحق الدعم، وتوفير متطلبات زخم المعركة ودحر الروس، الذين تجاوزوا كل الحدود، واعتدوا على شعب آمن، وفورا بدأ الدعم الأوروبي العسكري والمدني ينهمر على أوكرانيا، وبسببه تحملت أوروبا، الكثير من المتاعب نتيجة توقف امدادات الغاز الروسي، فضلا عن القمح، الأمر الذي تسبب في أزمة خانقة لتلك البلدان (الإنسانيَّة جدا).
وما زال الأوربيون يديمون زخم دعمهم لأوكرانيا، من دون توقف، تحت ذريعة (تعرّض الإنسانيَّة) للانتهاك، ولكن (حماة الإنسانيَّة) هؤلاء، تتغير مواقفهم بطرفة عين، ازاء الاستهتار المزمن، والمجازر التي ترتكبها العصابات الصهيونية، نهارا جهارا، بحق أهل غزة،.. مجازر تنقلها الأقمار الصناعية عبر المحطات الفضائية ببث مباشر، وكأنها حفلات صاخبة، إيدامها شواء الأطفال والنساء.
فروسيا لم تُجرم بحق الأوكرانيين، كما يُجرم الصهاينة بحق الفلسطينيين، فما تشهده غزة اليوم، غير مسبوق، من مجازر ودمار شامل تسبب بمحو أحياء بكاملها واستشهاد الآلاف، فضلا عن نزوح وفرار أكثر من مليون إنسان، أكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ، في مشاهد تدمي القلوب، ومع وضوح الرؤية، واتضاح صورة ما تقوم به اسرائيل من جرائم بحق الإنسانيَّة، إلا أن الأوروبيين تقودهم واشنطن، يغمضون عيونهم، عن جريمة بحجم جريمة غزة، وبكل صلف يعلنون دعمهم المطلق لإسرائيل، سياسيا وعسكريا، غير ملتفتين إلى مأساة غزة التي تعيش ظرفا صعبا، لاماء ولا كهرباء، ولا غذاء ولا خدمات طبيَّة، وسماؤها تمطر قنابل وصواريخ، من دون أن يرّف لـ(إنسانيَّة) أوروبا، جفن أو يندى لهم جبين، من هول الجريمة والدمار الهائل في غزة، لا لذنب اقترفه أهلها، إلا لأنهم قالوا نحن مظلومون، ونريد ان نرفع هذا الظلم بأيدينا بعد ان ضنّ علينا الآخرون بالعون..
وقطعا أن الموقف الأوروبي هذا ليس مستغربا، فالكيان المسخ (اسرائيل) ما كان له أن ينشأ في رحم الأمة العربية، إلا عبر الدعم والتمكين، (الانگلو - سكسوني). ولكن ايضا في المقابل، لعل لسان حال الأوروبيين يقول، “نعم نحن ندعم إسرائيل بالمال والسلاح، وكل متطلبات البقاء على قيد الوجود، فهذا الكيان، هو شرطي أوروبا وأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، ولن نسمح لأحد أن يمسّه بسوء، فأرونا أيَّها العرب والمسلمون ماذا انتم فاعلون؟”.
ومن المؤلم هنا، أن مواقف العرب والمسلمين، لم ترقَ إلى مستوى الجريمة الصهيونية، إنما كانت في مجملها خجولة ومداهنة وحتى متوسلة، نستثني منها الموقف العراقي الذي كان صريحا وجريئا وشجاعا، على المستويين الشعبي والحكومي.
مواقف العرب مع وجود الدعم الأوروبي المفتوح أعطت لإسرائيل الضوء الاخضر في الامعان بجرمهم، وجريمتهم، لا بل الأنكى من ذلك، هناك من وجه اللوم والتقريع للفلسطينيين، لأنهم سعوا إلى استرداد حقوقهم!!، وهناك من أغلق الحدود، لكي لا تعبر المساعدات إلى غزة، وثالث كان “أكثر جرأة” عندما طالب بضبط النفس من قبل أهل غزة.، ولستُ أدري كيف يضبط نفسه مَن كانت سماؤه تمطر موتًا وصواريخ؟!.