حسن السلمان
كثيراً ماتستوقفنا نصوص بعض كتّاب القصة والرواية من حيث ثراؤها، وقوة بنائها الفني، ودرجة تأثيرها، وقدرتها على توليد الدلالات. البعض من النقاد والمحللين والباحثين في الشأن الابداعي يعزو فشل وضعف وهشاشة بعض الأعمال إلى فقر التجربة الذاتية للكاتب، سواء كانت معرفية أو حياتية، بينما يمكننا أن نرى كاتباً ذا خبرة معرفية وحياتية غنية وواسعة ومعقدة مستقاة من تجارب كثيرة، كتجربة الاغتراب والعلاقات العاطفية المتشابكة، وخوض الحروب والمعايشة الفعلية لمختلف مستويات الواقع المعاش والتقدم في العمر إلى آخره من التجارب، التي تجعل التجربة الذاتية ثرية واسعة، يقدم نصاً فقيراً، بائساً، بل وفي الكثير من الأحيان ساذجاً، بينما نرى كاتباً آخر لا يمتلك تجارب حياتية كثيرة استثنائية يقدم نصاً غنياً لامعاً. باعتقادنا أن هناك أكثر من سبب لهذه المفارقة، منها ما يخص طبيعة شخصية الكاتب بالذات، ومنها مايخص الجانب التقني المكتسب معرفياً.
فعلى مستوى شخصية الكاتب، نجد أن الكثير من الكتّاب يعانون من ضعف الموهبة، وجرأة الطرح، والمهادنة، والحيادية من خلال اختيارهم للمواضيع التي لا تكدّر خاطر أحد، أو تثير ضجة، أو تتجاوز خطاً
أحمر.
كتّاب وديعون مسالمون تنقصهم الحيلة ويعوزهم المكر، والقدرة على المناورة، كل همهم رؤية أعمالهم صادرة عن أشهر دور النشر، بطباعةٍ فاخرة، وأسمائهم محفورة على صفحات أغلفتها البراقة الأنيقة.
إن مثل هكذا كتّاب في الحقيقة لايقدمون سوى وجبات خفيفة لا تغني ولاتسمن من جوع، وفي المقابل نجد كتّاباً يقدمون وجبات كاملة الدسم، بمذاقٍ لاذعٍ ونكهةٍ مميزة، معها لاتستطيع أن تستقر في مكانك وأنت تقرأ مثل هكذا أعمال لما تطرحه من مواضيع وأفكاراً صادمة حساسة من صميم الواقع لامن خلفه أو حواليه. كتّاب موهوبون، ملتزمون بما يجري من حولهم من إشكاليات اجتماعية وسياسية وثقافية تمس حياتهم وحياة الآخرين. فالقصة أو الرواية لا تكتب ببراءة وعن طيب خاطر وعشوائية، بل ينبغي أن تكتب بمكرٍ ومخاتلةٍ وتظليلٍ ولفّ ودوران.
أما على الجانب التقني فالكثير من الكتّاب من ذوي الخبرة الحياتية والمعرفية الواسعة يقدمون أعمالا «سردية» هي في حقيقتها مجرد حكي، أو مجرد كلام، إن جاز التعبير، وإن ارتقت بعض الشيء لدرجة الفن فهي في المحصلة الأخيرة لاتعدو أن تكون سوى قطعة انشائية جميلة بغض النظر عن غزارة أحداثها وتشعب مواضيعها وتزاحم شخصياتها.
فالحكي بوصفه عروضاً لسانية لأحداثٍ ووقائع وتقديم شخصيات، لا يمكن أن يصبح قصة أو رواية من دون حبكة وأسلوب محدد وفضاء درامي وقدرة على التلاعب بوحدات الزمان والمكان ونمو الأحداث والشخصيات وضبط إيقاعها حسب مقتضيات وأهداف النص.
خلاصة الكلام، إن ثراء النص وقوته بناءً ومعنى، يحتاج إلى تمتع الكتاب بالنضج الفني، والموهبة المائزة، والمهارة والذكاء، واستلهام روح الفنان في تقديم عمله بأقوى وأجمل صورة، وبوجود خبرة حياتية ومعرفية مجزية ستتضاعف جمالية النص، وستتعدد خياراته في انتقاء المواضيع.