محمد شريف أبو ميسم
قبل أن ندخل في عصر المعلومات، كان التفوق المالي في صدارة أولويات الباحثين عن السيادة في هذا الكوكب، وبعد القفزة الكبيرة في تكنولوجيا المعلومات، التي بدأت بأشباه الموصلات، ظهر عصر المعلومات، فتراجعت أولوية التفوق المالي حيال تصدر أهمية التفوق العلمي، وتبلور مفهوم اقتصاد المعرفة الاحتكاري بشكل واضح، بوصفه اقتصادا صفريا (شبيها بلعبة جر الحبل، إذ أن الغالب يقلل دوما فرص الخاسر)، ليكون الاقتصاد رقما واحدا في جني الأرباح وتكريس الهيمنة.
واقتصاد المعرفة قائمٌ على المعرفة من الألف إلى الياء بمعنى ان المدخلات معرفة، والعمليات معرفة، والمخرجات معرفة، حتى اتفق الكثير من المعنيين بهذا الشأن على فصل مفهوم اقتصاد المعرفة عن مفهوم الاقتصاد القائم على المعرفة، لأن هذا الأخير يتحرك في حدود الإمكانيات المالية، التي تحاول شراء نتف من المعرفة أو بعض مخرجاتها، فيما يتوغل اقتصاد المعرفة في عموم عمليات تكنولوجيا المعلومات وعلوم النانو والتقانات الاحيائية في حركة مستمرة، يكون فيها الثابت الوحيد هو المتغير.
استخدمت مخرجات هذا النوع من الاقتصاد في حروب التجسس وانتهاك خصوصية الأفراد والجماعات والمجتمعات، ووظفت في انتهاك الثقافات وعولمة الأدوات الثقافية وصناعة الرأي العام، وفي كثير من الأحيان مناقلة الرأي العام وتركيع الحكومات والهيمنة على المقدرات وصولا إلى التوسع عبر نشر المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية الطارئة على المجتمعات وخلق أجيال جديدة، ليست لها صلة بمنظومات القيم المجتمعية، بوصفها منظومات متخلفة حيال التأثير الكبير على نمط الاستهلاك وخصوصا في خدمات الانترنت ومخرجاتها.
بيد أن تفوق الآلة العسكرية الناجم عن هذا التغوّل المعرفي، نقل المواجهة العسكرية مع المتغطرسين من الارض إلى ما يشبه العالم الافتراضي شديد التدمير على أرض الواقع عبر الرشق والتحكم بالصواريخ عن بعد، والسيطرة على الأجواء وعلى الموجودات المنقولة وغير المنقولة في الأرض، فانحسر عنصر التفوق الناجم عن الشجاعة والإقدام وروح التحدي أمام مخرجات تغوّل المعرفة وغطرسة المعتدي، الذي يحتكر اقتصاد المعرفة ويتحكم بأدوات النظام المالي العالمي وبنحو 60 بالمئة من حركة التجارة العالمية ويهيمن على ادارة المنظمات الدولية، وعلى وسائل الإعلام العالمية وأدوات العولمة الثقافية.
وما من سبيل للتصدي والمقاومة الا الاعتراف بحقيقة تفوقه العلمي ومواجهة هذه الحقيقة عبر تعظيم عناصر القوة المتاحة، ومعالجة عناصر الضعف والعمل على إصلاح منظومات التعليم ومحاربة الفساد فيها، ورصد الأموال لبرنامج محكم، تكون الأولوية فيه للأطفال والصبية الأذكياء بهدف صناعة جيل من العلماء ينتمي لهذه الأرض، والعمل بصمت.