السود يثارون من التمييز العنصري في {الدفن}

ثقافة 2023/10/30
...

علي حمود الحسن

تمتعت كثيرا بأداء جميي فوكس ("جانكو"، "عازف الكمان"، "راي") والمخضرم توم لي جونز ("الغروب الجزئي"، " لا مكان للرجال المسنين"،) في فيلمها الجديد " الدفن" (2023) اللذين جمعتهما المخرجة الأميركية السمراء  ماجي تيبس في لعبتها البصرية المراوغة، فتباريا  كلا بأسلوبه، اذ جسد جيمي فوكس شخصية ويلي غاري؛ المحامي الزنجي الأسطوري المختص بقضايا الضرر الشخصي، والواعظ الثري الذي لا يترك مناسبة، إلا ويتباهى بقصره الباذخ؛ بغرفه الخمسين، وطائرته الخاصة، وساعته الرولكس، فضلا عن محابسه الماسية وقمصانه المزكرشة (غاري شخصية حقيقيَّة عاشت في تسعينيات القرن الماضي)، المشهور بمرافعته الاستعراضية، التي تجمع بين (الوعظ الكنسي الزنجي) والتهريج الفكاهي الذي يسحر فيه مستمعيه، وكم كانت بيتس موفقة باختيار فوكس لهذا الدور الساحر، بالمقابل بدا العجوز توم لي جونز بدور صاحب شركات دفن الموتى الغارق في الديون، والقلق من نهاية إرث أسرته الذين يتوارثون مهنة دفن الموتى، فنراه حزينا ضائعا أحيانا، ومقاتلا صلبا من أجل حقه، قدم جونز شخصية جيرمايا أوكيفي العصامية، الذي خدم في الحرب وحصل على أوسمة واختارته مدينته عمدة لدورتين، ليس هذا حسب، انما كان مناهضا للتميز العنصري، وله موقف مشهود من عصابات "كو كلوكس كلان"، كل هذه الانفعالات جسدها جونز بأداء ساحر، ليتحد مع جوهر المحامي الثرثار، الذي يكسب الدعوة وينقذه من الإفلاس.  
 القصة التي أسهمت المخرجة ماجي تيبس بكتابتها، مبنية على أحداث حقيقية وقعت في تسعينيات القرن الماضي، وتحكي قصة جيرمايا أوكيفي  صاحب شركات دفن الموتى، الذي يجد نفسه غارقا في الدين، فيقرر بيع ثلاث من شركاته إلى حوت من حيتان متعهدي دفن الموتى، الذي يراوغ في تنفيذ العقد، وينتظر انهيار أوكيفي لينقض عليه، وبدلا من الاعتماد على محامي شركته وصديقه القديم، يختار محاميا أسود لا علاقة له بقضايا العقود استعراضيا، لكنه لم يخسر قضية قط، ليحتدم صراع ضارٍ بين الخصمين، ويتبارى المحاميان باستخدام كل الوسائل للإطاحة بالثاني .. الطريف أن الشركة العملاقة اختارت محامية سوداء (بأداء مبهر من جورني سمولت)، ينجح غاري وفريق عمله بكسب القضية والحصول على 500 دولار كتعويض، ووسط ذهول الخصوم وأصحاب القضية معا.
 تعمدت المخرجة بيتس إزاحة حكاية المحامي الاستعراضي ومحنة متعهد شركات الدفن الذي يقاضي شركة عملاقة، وتحولها إلى ديكور لطرح أفكار عن التميز العنصري وكيف أنه ما زال يكمن في أعماق الأمريكي الأبيض، فابتسامة محامي أوكيفي المخضرم تستفز زملاءه وخصومه السود، حتى أن محامية الخصم السمراء تهمس لمستشاريها "أنه متعالٍ ويحمل روح الكراهية" تنبش في سيرته، فتجد أن جده ينتمي لمنظمة "كو كوكلوكس  كلان" فتدينه وتزيحه عن المرافعة.
 المخرجة بيتس في ثاني أعمالها سردت حكاياتها وأوصلت رسالتها وإدارة ممثليها العمالقة، بأسلوب سردي سلس متواترا قرب إلى السرد الخطي المدعم بارتدادات زمنية وان طغى عليه الحوار، لا سيما مشاهد المحكمة، وما دار في مكاتب المحامين.