سالم مشكور
تابعت قبل أيام وعبر منصة زوم ورشة عمل، نظمتها كلية الإعلام في جامعة بغداد بعنوان «أهمية العمل التطوعي في بناء الشخصية الإنسانية للطالب الجامعي». تضمنت الورشة أوراقاً بحثية قيِّمة لخّصها أصحابها، وهم من أساتذة الكلية، وطلاب دراسات عليا، بينما كنت أنا المتسلل الوحيد من خارج الكلية، بعدما شدني الموضوع. ورغم أن أهمية العمل التطوعي لا تقتصر على أنسنة الطالب الجامعي، بل هي مطلوبة لجميع الناس، وفي مختلف مستوياتهم العمرية والثقافية، الّا أنّ الطالب الجامعي يحتاج إلى هذا الخلُق أو ترسيخه أكثر، كونه يستعد إلى الانطلاق إلى ساحة العمل التي يكون خلالها متعاملا مع المجتمع، مباشرة أو عبر واسطة هي في الغالب السلع والخدمات. طالب الإعلام يحتاج إلى التسلح بهذه الثقافة أكثر من غيره، لأنه سيعمل مباشرة مع أبناء المجتمع، باعتبارهم المستهلك المباشر لمنتجه الإعلامي. يُعدّ هذا جزءاً من أنسنة الإعلام، أي جعل الإنسان ومصلحته محور العمل الإعلامي. أحد أساتذة الكلية قال في مداخلته إن نشر ثقافة العمل التطوعي ضروريٌ للمجتمع العراقي، الذي يتسم بالكسل، فانبرى له بعض زملائه معترضين على وصفه هذا، مدفوعين بذلك الكبرياء العراقي المنقطع عن الواقع. هو قال الحقيقة وهي ليست سبّة بقدر ما هو تشخيص لحالة مرضية انتجتها ظروف سياسيَّة وتاريخية. فالشعوب التي تعيش في ظل أنظمة فردية لعقود طويلة، تتحول إلى شعوب خاملة معتمدة على الحكومة في كل شيء، فلا يكون هناك مجال للتفكير الحرّ والمبادرات الفردية والإبداع، وهذا ما أصاب مجتمعنا على مدى عقود، ويحتاج إلى عقود للتخلص منه شرط توفير الحكومة محفزات الإبداع، وتبني المبادرات الفردية ودعمها.
العامل في الإعلام هو المساهم الرئيس في بناء الإنسان، وفي حال لم يكن متسلحاً بالأدوات والمواد الرصينة، سيكون هادمًا للإنسان، كما يفعل الكثير من العاملين في هذا الحقل اليوم. يتعاظم دور الإعلامي هذا في عصرنا حيث العملية الإعلامية، وبفعل التقنيات الاتصاليَّة الحديثة، وخوارزميات المنصات الالكترونية باتت تؤثر في وعي المتلقي عنوة، وبسعة انتشار لا يمكن وصفها. هنا تكون لثقافة العمل التطوعي أولوية في قائمة اهتمامات الإعلامي، الذي يحمل هم الإنسان والمجتمع. الإعلامي الواعي يعلم أن ثقافة العمل التطوعي لا تكافح الكسل فقط، إنما تعالج حالة الأنانية، التي تفشت في المجتمع بفعل الظروف القاسية، التي مرّ بها من حروب وحصار وكبت سياسي وخوف من المستقبل في ظل غياب الأمن الاجتماعي. لا يحتاج الأمر إلى إثبات وجود هذه الحالة، بل يكفي النظر إلى حالة التدافع في أكثر من مجال، من أجل تحقيق مكسب ذاتي دون النظر إلى حقوق الآخرين. هذا الانحراف السلوكي، هو الذي يجعل البعض يتورط في انهيار جسر مثلا، وسقوط قتلى وجرحى لمجرد أن المقاول الفاسد حاول توفير بعض المال عبر الغش في مواد البناء، وهو الذي يجعل السائق في الشارع يندفع ليمنع آخر من التقدم وهكذا.
التخلص من الأنانية والكسل سيعيد إلى المجتمع حالة التكافل والتراحم، التي حثّت عليها النصوص الدينية، وجعلت جزاءها ثواباً عند الله، وهو ما يشكل دافعا إضافياً للمؤمنين للتحلي بهذا الخُلُق، فالرسائل السماوية كلها تدعو إلى مساعدة الآخرين، وهذا عمل تطوعي، في سياق هدف عام هو أن يسهم الإنسان في إعمار الأرض، وبالتالي توفير سبل الحياة الكريمة للجميع.
العمل التطوعي ثقافةٌ وخلقٌ إنسانيٌّ ومظهرٌ من مظاهر السلوك الحضاري في المجتمعات المتقدمة. بل إن هذه الثقافة يجري زرعها في الإنسان منذ الطفولة، وهناك تشجيعٌ عليها من خلال أفضليات تعطى للمتقدمين إلى الجامعات أو الوظائف، ممن قاموا بأعمال تطوعية لخدمة الإنسان والمجتمع والبيئة.
نحتاج إلى حملة واسعة، في المدرسة والجامعة والجامع والإعلام، من أجل نشر وترسيخ العمل التطوعي، الذي يطرد الأنانية والكسل ويجعلنا مجتمع تراحم وبناء.