د. أثير ناظم الجاسور
لماذا لا نكون المشهورين الذين يخلدهم التاريخ بمختلف الوسائل والسلوكيات والإجراءات إلا الاتفاق على حلول حقيقية، فكل شيء منقسم منذ اليوم الأول لعملية الطوفان، التي قامت بها حماس ولغاية اللحظة هذه، الكل منقسم الكل نعم (الشعوب العربيَّة) فهم في رهان كبير فريق يراهن على صلابة المقاومين واستمراريتهم في الصمود وتوجيه الضربات، التي افقدت الكيان الاسرائيلي توازنه، وفريق لا يكترث لهذه الاحداث أو يراقب عن بعد دون ابداء الرأي، حتى وإن كان متعاطفا خوفا من أن ميله هذا يحيله إلى تأييد حلفاء حماس المختلف معهم ايديولوجيا
هذا الانقسام غذته منابر الخطب الدينية والاشكاليات الفكرية والتفاوتات الثقافية بالمحصلة كلها وبهذا الموقف الصعب تنظر بقلب خافق للعناية الإلهية وتدخلها في حسم المسألة، سواء بانتصار حماس من عدمه، هذا الانقسام أظهر وبكل أسف شديد حجم الانقسام لا على القضية انما على عناصر والفاعلين الأساسيين فيها من خلال تحديد التأييد من عدمه، هنا وبكل مرارة نلتمس ترف وقسوة التفكير بين الفرعية التي تبحث عن البقاء حتى وان لم أحصل على كرامتي وبين الفكرة الأكبر التي تتكلم الحصول على الأرض مهما كلف ذلك، وبين هذه الفكرة أو تلك لا بدَّ من أن يلعب التاريخ لعبته، ليحيلنا لهذا الحفل الدامي وما سينتج عنه من تراجيديا تحمل في ثناياها كل ألم هذا الكوكب، والكل سيسرد قصته أملاً وانتظاراً بنتيجة ما سيفعله الرب لهذه الأمة.
فلسطين التي نادى بالصلاة في قدسها يوما لا تزال تركع للموت كل يوم بعد كل حفل صهيوني يؤكد ضعف العرب وتهاونهم، فبات الحلم وهم، والحقيقة مستحيلة بعد أن أصبحت سرديات التحرير بيد حكومات تمارس التجارة والبيع تحديدا دون خجل، واليوم هو حفلهم بالرغم من انهم مدعويين اصلاء له إلا أنه يمثل كل ما يحول طقوسهم الداعية للبقاء إلى رقصات على أشلاء قضية لطالما ينادون بها، هذا الحفل الدامي سبقته وقفات منذ العام 1947 لابل تسبقها باعوام أمة مرت ولا تزال بخيبات ونكسات ومغامرات تارة على يد قومي لا يفقه معنى الفكرة وتارة على يد مقامر يلوح بالفكرة وتارة بين أموال وخيرات لدعم الجلاد وبين الفكرة والفكرة والسلوك والإجراءات تبقى منظومة الحكم تلعب على أن تكون هي من يكتب دعوى رقصات الموت، لشعوب موهومة بصراع العقل والعاطفة وصدامات الاراء والمعتقدات الناتجة عن فكر حكومات اما متخومة أو مأزومة.
اذا كانت عملية الطوفان التي قامت بها حماس الأولى من نوعها منذ الاحتلال ليومنا هذا، فالقتل الذي يقوم به الكيان متسلسل ويومي وتحت رعاية القوى الكبرى وحماية القوة العظمى ودعوة الحكومات العربيَّة، بالتالي يتم التعامل مع الكيان الاسرائيلي بواقع فكرة البقاء، فضمان أمن هذا الكيان بات من حصة الحكومات العربيَّة التي تعمل بجد في عملية الحماية هذه إلى جانب إعطاء موقف يومي للكيان عن تحرك الجماعات التي تحاول استهدافه، هذا الطوفان سيستمر حتى وإن شاء القدر أن يمحو الجهة المقاومة (حماس)، لكن هذه المرة بطريقة مختلفة بعد أن يسمح العرب أن يكون الفلسطينيون في غزة لاجئين في أراضيهم بحجة الهرب من هول الموت والدمار ليعبد الطريق للكيان بالهيمنة على غزة أو الجزء الأكبر منها، بالمحصلة هذا السيناريو سيكون العرب شعوبا وحكومات مدعوين لمشاهدته ورعايته والذي يتضمن:
1 - محو غزة والسيطرة عليها من قبل الكيان بمساعدة امريكية.
2 - الغزاويون بين مهاجر ولاجئ إلى بلاد العرب.
3 - العرب مساعدون بمد معسكرات اللاجئين بالمؤن والغذاء والملابس.
اما أن يتشكل سيناريو اخر بإيقاف هذه الحرب مع التدمير الحاصل في غزة والقتل المخيف بالآلاف، ولا دور لاحد في البناء والإعمار لانه وبكل بساطة ستكون تحت طوق الكيان الإسرائيلي، ولا يُسمح لأحد أن يلعب دور الباني أو المساعد بحجة قطع الطريق أمام تمويل المقاومين، وبالوقت ذاته إدخال هذه العملية ضمن أولويات ستراتيجية، تسحب دول المنطقة للمواجهة وتغيير الحسابات، إيران على سبيل المثال، هذا يُحيلنا إلى سيناريو ثالث يتضمن جبهات متعددة قد تكون لقيادة أو مخطط واحد، لكن التكتيكات مختلفة، ويكون الكيان الإسرائيلي في أوج ارتباكه اذا ما قلنا يفقد توازنه، ما يجعله يذهب للخيارات الأكثر عنفا وتدميرا، بعد أن يصبح التدخل بشكل معلن من إيران وحلفائها بالمنطقة، ولا وجود للجهة العربيَّة المعلنة سوى دعوى المشاهدة.
الكل سيكون مدعوًا لهذه العروض ممتلئين بالأوهام (الشجاعة - الكرامة - النُبل الخ...)، ويظهر على السطح دور الأمة المحبة المتماسكة المتباكية على الأطفال في معسكرات التهجير أو المدينة المحاصرة، وتتعالى أصوات المنابر، وهي تدعو بزوال الكيان الإسرائيلي، وتتلى الخطابات والتي تدعو إلى أن نتعاون في دعم شعبنا الفلسطيني في مخيمات اللجوء أو على الأقل السماح بمساعدتهم ومنع الكارثة الإنسانية في المدينة المدمرة، وتزداد حكومات العرب تخمة وأزمة، ويستمر حفل الدم وتبقى الصلاة في القدس وهم للمدعوين.