جذور المخطط الصهيوني لإفراغ غزة من الفلسطينيين

آراء 2023/10/31
...






  أ. د . جاسم يونس الحريري


تحاول الولايات المتحدة الأمريكيَّة بالتوافق مع عدد من الدول الأوروبية الترويج لفكرة تأسيس ما يسمى بـ(ممر إنساني) بين قطاع غزة ومصر يسمح بانتقال المدنيين الفلسطينيين من القطاع إلى شمال سيناء أثناء الحرب، التي شنّها جيش الاحتلال ردًا على العملية البطولية (طوفان الأقصى)، التي قامت بها (كتائب عز الدين القسام)، الجناح العسكري لحركة حماس. 

هذه الفكرة التي أشارت إليها في البداية وسائل إعلام صهيونيَّة وأميركية، ثم تبنتها الإدارة الأميركية رسميا تهدف إلى تفريغ قطاع غزة من مواطنيه، بهدف تحسين قدرة الكيان الصهيوني على مواصلة حرب الإبادة والتدمير الشامل للقطاع في ظل خنوع دولي وعربي مثير وغير مسبوق. 

وتعود هذه الفكرة أي تهجير الفلسطينيين خارج فلسطين لأسباب مختلفة، بعد أن تمَّ تهجير الفلسطينيين سنة 1948م عندما نَزَح أو طُرِد أكثر من 700 ألف فلسطيني - قُرابَة نصف سكان فلسطين العرب- من بيوتهم خلال حرب فلسطين 1948م. 

وكان التهجير عَامِلًا مركزيًّا في تَشْتيت المجتمع الفلسطيني، والاستيلاء على مُمْتَلَكَاته، وإبعاده عن أرضه، وهو ما يُعْرَف باسم (النكبة)، التي تضمَّنَت تدمير ما يتراوح من 400 إلى 600 قرية فلسطينية، بالإضافة إلى تَهْويد التاريخ الفلسطيني، كما أن مصطلح (النكبة) يشير أيضًا إلى الفترة التي تزيد مدتها عن مدة الحرب نفسها والاضطهاد، الذي جاء بعد الحرب والمستمرّ حتى الوقت الحاضر. 

وتُشَكِّل أسباب التهجير أيضًا خلافًا أساسيًّا بين المؤرخين. 

حيث إن العوامل التي أدت إلى حدوثه تتضمن عمليات الجيش الإسرائيلي، وتدمير القرَى العربيَّة، والحرب النفسية، ومخاوف الفلسطينيين من وقوعهم كضحايا لمجزرة أخرى على أيدي العصابات الصهيونيَّة، خاصة بعد وقوع مجزرة (دير ياسين) أو مذبحة دير ياسين، وهي عملية إبادة وطرد جماعي نفذتها في نيسان 1948 مجموعتا (الإرغون) و(شتيرن)الصهيونيتان في (قرية دير ياسين) الفلسطينيَّة غربي القدس، التي أدَّت إلى هجرة الكثيرين، خوفًا من مُلَاقَاة مصير مشابه، بالإضافة إلى أوامر الطَّرْد المباشرة التي أَصْدَرَتْها السلطات الصهيونيَّة للفلسطينيين، وتَفَكُّك القيادة الفلسطينيَّة وقراراتها بإخلاء السكان العرب من بعض المناطق، ولعدم رغبة الفلسطينيين في العَيْش تحت الحكم الصهيوني، ولِتَطَلُّع فئة منهم إلى الانتقال إلى مناطق أغنى. 

وفي وقت لاحق، مَرَّرَت الحكومة الصهيونيَّة الأولى سلسلة من القوانين التي تمنع الفلسطينيين المُهَجَّرِين من العودة إلى بيوتهم أو المطالبة بأملاكهم. 

وبقي هؤلاء المُهَجَّرُون والكثير من أحفادهم لاجئين حتى اليوم. 

واعتبر الكثير من المؤرخين أن طَرْد الفلسطينيين من أرضهم كانت عملية تطهير عرقي. 

ووجّه المتحدّث باسم الجيش الصهيوني، يوم الجمعة الموافق 13 تشرين الأول/ أكتوبر2023، رسالة لسكان شمال غزة بضرورة إخلاء القطاع خلال 24 ساعة، وطالبهم بالتوجّه نحو جنوب القطاع، في اتجاه وادي غزة، وأكد أن الحرب مستمرّة مع مقاتلي حماس، ونشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الصهيونيَّة صورة من المنشور الذي ألقاه الجيش على سكان الشمال، والذي جاء فيه (من أجل أمنكم وسلامتكم، عليكم ألا تعودوا إلى بيوتكم حتى إشعار آخر من قبل الجيش الإسرائيلي، يجب إخلاء الملاجئ العامة والمعروفة في مدينة غزة.

ممنوع الاقتراب من الجدار الأمني وكل من يقترب يعرّض نفسه للموت، عليكم إخلاء بيوتكم فوراً والتوجّه إلى جنوب وادي غزة). 

وانتشرت مقاطع مصورة تُظهر نزوح سكان الشمال صوب الجنوب بعد رسائل الكيان الصهيوني التحذيرية، وبدوره رفض رئيس الوزراء الفلسطيني، (محمد أشتية)، المطالب الصهيونيَّة، مشدّداً على أن الشعب الفلسطيني لن يغادر أرضه، ولن يقبل التهجير واللجوء، كما استنكر الرئيس الفلسطيني (محمود عباس)، محاولات التهجير، واعتبرها نكبة ثانية للشعب الفلسطيني، ودعت وزارة الداخلية التابعة لحماس بعدم الانصياع للدعوات الصهيونيَّة، وبدورها شدّدت كتائب القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، على أن الكيان الصهيوني أضعف من أن يهجّر الفلسطينيين، وقال المتحدث باسم القسّام، أبو عبيدة (نقول للعدو من جهة ونطمئن أبناء شعبنا من جهة أخرى، إن الهجرة في قاموسنا ليست واردة سوى هجرة العودة إلى عسقلان والقدس وحيفا ويافا وكل فلسطين). وتعتبر فكرة تدمير قطاع غزة وتسويته بالأرض، ومن ثم بدء احتلاله لتهويده لاحقاً، حديث عدد من الصهاينة، ونشرت القناة السابعة الصهيونيَّة مقالة وثّقت فيها حديث مستوطنة صهيونيَّة تُدعى (أفيا ليفين) )، تحدثت فيه، كغيرها الكثيرين، عن الرغبة في الاستيطان في غزة، وأسمتها القناة الصهيونيَّة بـ(العودة إلى قطاع غزة)، وأوردت فيه الأماني التي تريدها الفتاة وغيرها، وكتبت فيه خطة العودة، والتي تبدأ (بضرورة سحق قطاع غزة بأكمله، وبعدها لا يجب تسميتها بغزة، لأنها ستكون حينها - بحسب المقالة- تابعة للنقب الغربي، وبعدها يتم إنشاء عدة مدن يهودية كبيرة، مثل مستوطنة أوفاكيم وعسقلان، وبعد إزالة القطاع ستقام دولة يهودية كبيرة واسعة النطاق، كما هو الحال في الضفة، وبعدها ستكون جزءاً من إسرائيل بعد السيطرة المطلقة على الأرض). هذه الأفكار تراود العديد من الصهاينة الداعين إلى قتل الفلسطينيين، وليس مجرد ترحيلهم فقط من أرضهم، وهو ما أكّده عضو الكنيست، (سون هار)، الذي قال إنه (يجب ضرب غزة بصواريخ أرض أرض لتسويتها، ويجب القصف بشكل لا هوادة فيه)، بحسب ما نشرته القناة السابعة الصهيونيَّة.