أدباء يعبّرون عن سخطهم على العدوان الصهيوني
استطلاع: صلاح حسن السيلاوي
هناك حيث الموت يتنزل، على عيون الأطفال في فلسطين، حيث تستمطر إسرائيل سماءَ غزة ناراً على قلوب الأمهات، تتساءل الحقيقة عمن أضاعها، تتساءل عن السكوت العظيم، إزاء أنهار الدم الفلسطينيَّة التي تجري على ضفاف الحق، تتساءل عن عيون العرب، وهي تحملق بصور غربان الطائرات الإسرائيلية، التي تحلق على ما تخربه من المدن، وجوه الأطفال الملطخة بالدم وسخام القذائف، تثير أسئلة جارحة، ومنها: هل الضمير العربي من حجر؟ هل علينا أن نموت لتنشأ دولة أخرى على أرضنا، هل على الدول أن تخرج من بطون التاريخ لتزيح دولا أخرى؟ لو كان الأمر كذلك؟ كم من الدول عليها أن تحل مكان غيرها؟ متى ستنتهي هذه الحرب؟ ربما عندما يباد الفلسطينيون جميعا، أو عندما ينتصر لهم أخوتهم؟ الحقيقة الموجعة تصيح في آذان الضمائر الحرة، تعلن بحشرجات موت ودموع أمهات وأطفال، عن محاولة إبادة شعب بأكمله، صور مرعبة، تفضي إلى خرائب الضمير الإنساني وتؤكد خذلان عربي لم نشهد له مثيل.
لو أن المثقف العراقي تحدث عن هذا وغيره؟ لو أنه أرسل رسالة للعالم، عن اعتداء إسرائيل على الشعب الفلسطيني؟ لو أنه أرسل رسالة للحكام العرب، أو للشعوب العربية وجيوشها، لو أنه خاطب الله، والأنبياء، والضمائر الحرة، فماذا سيقول؟ ماذا يقول للأمهات والأطفال، لألعابهم الملطخة بالدماء لمستقبلهم المضاع؟ عن هذا وغيره من معاناة الشعب الفلسطيني، تساءلت مع نخبة متميزة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع.
حينما يكون السكوت عارًا
الأمين العام لاتحاد أدباء العراق، الشاعر عمر السراي، تحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني، عن حزنه المستمر على مدى عقود، عن الظلم الذي يبرره العالم، وعن الظالم الذي يتخذ من الضحية دورًا يلعبه، وهو يمارس ظلمه تحت أنظار الجميع، عن ذلك يقول السراي:
لا شيء يوازي حزن إنسان يظلمه العالم بقلب بارد، وهو يرى كيف أن التضامن يجيء ضده لا معه ، ما يجري في فلسطين منذ سنوات طويلة حزنٌ مكثّفٌ بات من العار السكوت عليه.
إن نكأ الجرح وسيلة مثلى لعلاجه، وليس من الصواب أن تظل الآلام طريقا للاستمرار من دون نقطة توقف، الفلسطينيون أرباب الأرض وسدنة تاريخها شعب اتُفق على تشريده، فكانت السهام التي تفرّق مصنوعة من أشجار بنيه وأخوته والمتاجرين بدمه.
أي دمار هذا الذي استحلته الدول الكبرى المتنفذة، وأي صغار هذا الذي ينتاب الدول الأخرى، التي تتختّل وراء الكثبان وتخاف ظلالها، واية حقوق تلك التي يدّعي بها غرب مقيتٌ يتبجح بأنه منبع للمدنية والقوانين والديمقراطية.
مشافٍ تقصف، مدن تسبى، غارات تترى، قنابل تفوح منها الدماء، والقاتل يدّعي بأنه الضحية، أرض تغتصب، حقوق تُصادر، أمة تُنفى، وتاريخ يُزوّر، وفلسطين حلم قديم لا يخصّ من وُلد فيها وتنفس هواء بحرها، فهي الأرض الوحيدة التي تورِّث نفسها بوصفها مسقط رأس لكل محب لها.
وأضاف السراي متسائلا: ما الذي يمكن أن يقوله إنسان وسط كل النشاز الذي يعزفه الغرب المتجبّر، وتتبناه الصهيونية العالمية بأنيابها السود، كيف يبرر المعتدي لنفسه، وهو يرى آثار ما فعل، كيف يقوى على التطلع بوجه أبنائه بعد أن فجع الناس بأبنائها الأبرياء.
لا استغراب أبدا، فالسكوت ديدن للخانعين، ولا عجب أبدا فالدول العظمى تجيد إذلال البشر بمقتضيات حياتهم، لذلك ، كل شيء مهيّأ للخسارة، والتقارير المستمرة ستجيد التبرير وإلصاق الوحشية بمن لا يمتلك مخالب، والآراء العالمية تعرف كيف تحاسب المغدور على صرخة خفيضة صدرت منه وعكّرت مزاج المتجبرين الأشاوس.
لا استغراب أبدا، انه زمن الصمت الباكي والمبكي، والشهادة على أخطر مؤامرة ستقهر العدل، وتعلن انتهاء العالم الذي بات عليه أن يخجل من شدة ما وصل اليه من تفاهات.
أما آن أن تقولوا كفى
الروائي إبراهيم سبتي، وجّهَ رسالته إلى العالم فقال: أيها العالم الحرّ، أنت أيها العالم الذي ينحت اسم الحريّة في عقول الصِبية والشجر والهواء، أما آن أن تقولوا كفى عدواناً على شعب فلسطين الأعزل، أقصد ما يجري في غزة، المقيدة بسلاسل وجبروت العدوان المتبجح بالقوة دوماً؟ أما آن أن تدافعوا عنها مثلما دافعتم بالأمس عن شعوب وشعوب لم تحرقهم النيران بالقدر نفسه التي تحرق أطفال فلسطين اليوم؟ هي صرخة لمن يسمعها حتى ولو كانوا من العرب الأشقاء أو بالأحرى من بعض حكامهم، الذين استنكروا على الورق ما يجري ولم يهبّوا لنصرة الأخوة. هم ربما خير من يعرف بأنهم إن دافعوا عن الشعب الفلسطيني المظلوم فهم بذلك يدافعون عن أنفسهم ومستقبل أجيالهم وبلدانهم. إنها معركة وجود قبل ان تكون معركة حدود. هي معركة تُرفع فيها الأكفّ لبارئها العظيم جلت عظمته، حاملة دعاء الانتصار ورسالة من عبد ضعيف إلى الخالق العظيم بأن ينصر أخوتنا في فلسطين على القوم الظالمين. وأن يتحول رصاص البغي إلى ورود وعرائس خالية من الدماء، فتفرح القلوب الصغيرة وتكبر آمالها التي بعثرتها القذائف والمدافع وطائرات الرعب.
وأضاف سبتي قائلا: أيها الضمير النقي أو ما زال نقياً، هل ثمة من يصرخ منكم بوجه العدوان من دون الحاجة للأناشيد الحماسية أو لدوي الشعارات التي لاتباع بقشرة موز في سوق الاحرار؟ إنها محنة أن نرى الأجساد الطريّة المعطّرة بتراب فلسطين الزكي، أن تبكي وتخمد أنفاسها بفعل حاجة لقرص دواء أو شربة ماء أو رغيف خبز، وهي تنزّ دمًا بفعل جروح طالتها قذائف العدو البعيد القريب. يا لها من مفارقة أن يكون بعض العرب، بل الحكام منهم، من أشطر خلق الله في سرد الحكايات والخطب الرنانة على أديم فلسطين، الذي يأبى أن يتحول إلى خراب، أنه زاهر وسيظل زاهراً ما دام الأطفال هناك يبصرون النور فيها على طول المدى.
قميص الفتنة العربية العالمية
الكاتب كاظم الجماسي قال: لا أظن أن هناك من يحسب على صنف البشر، من يستسيغ أو يوافق على جرائم الحرب، أية حرب، في استهداف المدنيين بأية حال من الأحوال، باستثناء المجرم ذاته، فقد بات هذا أمرا مفروغا منه.
ولكن دعوني أقول، كما قلت سابقا، إن السياسة، على النحو الغالب، مرتع عهر أخلاقي وشر مكتمل، والقتل، بالإضافة إلى وسائل غيره، عدة عمل لتحقيق غايات قريبة أو بعيدة المدى، يبيح الساسة لإنفسهم استخدامها بنحو عادي كما لو أنهم يقضون، مثلما يفعل خلق الله الآخرون، حاجاتهم اليومية .
يجلسون متقابلين على طاولات شاشات التلفزة، وأقصد الساسة، ملائكة تفيض على وجناتهم علائم الطهارة والمحبة، ومن تحت الطاولة كل يشهر مسدسه مصوبا ما سورته نحو أحشاء الآخر.
طبخات السياسة لا يدرك مكوناتها وطرائق طهيها أمهر الطهاة، ذلك لأنها تنجز تحت سابع طبقة من طبقات الأرض، فما بالك بنا، نحن المساكين العزل، بل القطعان التي تساق إلى المسالخ من دون أن تدري حتى!
يقال، من بين كثير من الأقوال، إن حرب غزة الراهنة، وضعت كفقرة من فقرات ما أسموه بـ «صفقة القرن» لتحريك قضية فلسطين «قميص» الفتنة العربية - العالمية العتيد، ليصار إلى منح الغزاويين شريطا أفقيا
« 720 كلم « في سيناء، بالاتفاق مع مصر، وتعويض الأخيرة بأكبر من هذه المساحة من صحراء النقب، وفي هذا التعويض منافع اقتصادية جمة، كل ذلك على نفقة الأوروبيين والأميركيين وبعض العرب. والحال ذاته ينفذ بالنسبة للضفة الغربية مع جارتها الأردن.
ويقال غير ذلك الكثير، وكل ما يقال يحتمل التصديق.. لأن الحقائق في الأساس تظل محجوبة عن القطعان، في حين ما ينحر يوميا من مئات الرضع والنساء والرجال، أضاح وقرابين على مذابح الشر، ليس معنيا أبدا به الساسة.
وأضاف الجماسي بقوله: ما من فجيعة مرت بشعب كما فجيعة الفلسطينيين، فجيعة نازفة لم ينقطع مسيل دمائها منذ أكثر من مئة عام، تمتع الساسة ولم يتوقفوا حتى اللحظة، عربا وغير عرب، قومچية نازيون وشعوبيون، بلذائذ طبخات حروبها وبروبيغندا «تحريرها» اللا شريفة بالمرة.
كما أن سياسة قلاع الديمقراطية العتيدة في أوروبا وكذا أمريكا وغيرها من المتحالفين الصغار معها، تتبع اليوم ما وصفه روجيه غارودي، مرة، بقوله «الحرية القائمة هي حرية الثعلب الطليق في حظيرة الدجاج» والثعلب بل الضبع الإسرائيلي، طليق مستمتعا، يلوك ويمزق بأضراسه ومخالبه النازية أجساد الأبرياء، على مسمع ومرأى من العالم، من دون توبيخ أو إدانة من قبل حماة الإنسانية وحقوقها، بل بالعكس، يتعاضدون معه وبصلافة، في خندق واحد جهارا نهارا، كما فعل ويفعل السيد «جو بايدن» دهقان الشر والجريمة.
رسالة إلى الله
الناقد الدكتور أحمد حسين الظفيري، عبّر عن آلمه وحزنه، لما يحدث للشعب الفلسطيني من عدوان، مستذكرا بعض طفولته التي اختزنت كثيرا من ذكرياته، عن تلك المعاناة، ولكنه وجّهَ حديثه إلى الله جل جلاله عبر رسالة قال فيها: أنا أعلم أنك تعلم ما أريد أن أقول، لكنني أيضا أريد أن أتكلم لا لشيء، لكن فقط للتنفيس عما في داخلي.. فنحن شعوب لا تعرف سوى أن تتحدث إليك، لأننا ببساطة نعجز عن أن نصرخ بآلامنا في الشوارع، وأن نعتصم لأوقات طويلة، وأن نقاتل ونقتل.
منذ أربعين عاماً – حين كنت طفلاً - أتذكر أنني شاهدت مخيم لاجئين في التلفاز، وكان الثلج ينهمر عليهم، والخيمة مثقوبة وكان في الخيمة أطفال يرتجفون من البرد، حينها سألت أخي الكبير عن هؤلاء فقال لي: إنهم لاجئون فلسطينيون، هجرهم الصهاينة وسرقوا بيوتهم، فقلت له: لماذا لا ينتصر لهم الله؟!
رد أخي كان صادما لي وقتها، قال لي: ولماذا ننتظر الله، من المفترض أن نحررها نحن.
وها أنا الآن بعد هذه السنين أعترف أننا غير قادرين على القيام بتلك المهمة، فأرجوك يا إلهي تدخل أنت بطريقتك التي تجدها مناسبة، ومهما كان الثمن.
لأننا نعيش في ظل حكام – من المفترض أنهم عرب - لكنهم تناسوا درجة القربى بينهم وبين سكان فلسطين في شتات الأرض، إلهي.. لقد عقدوا مئات بل الآف المؤتمرات، وصرفوا فيها مئات المليارات من أجل دعم القضية الفلسطينيَّة، لكنهم لم يرسلوا ماءً لأطفال عطاشى.
إلهي.. لم يعد التضامن يجدي، فهو لا يقي من برد، ولا يمنع الحر، ولا يشبع بطناً جائعة، ولا يعيد داراً مسلوباً، يارب آن الأوان لتبدلنا بأناس يحملون السلاح ولا يجلسون لاتفاقيات تنازل وسلام.
إلهي.. لقد وصلك هذا الأسبوع الآف الأطفال من فلسطين، أنا اعلم أنك أرحم بهم من أهلهم، ولا حاجة بتذكيرك فأنت تعلم، لكنني أود أن أسألك عن الطفل (يوسف) إنه كما تقول أمه (أبيضاني حلو شعرو كيرلي عمرو سبع سنين)، أخبره أن أمه تبكيه كثيرا ، قل له يارب أن يزورها كثيرا في المنام لأنها لا تنام الليل دونه.