سعد العبيدي
انسحب مقاتلون تابعون إلى حزب العمال الكردستاني التركي من مرتفعات مخمور قبل أسبوع من نهاية هذا الشهر العاشر، فشغلها على الفور منتسبون من الجيش العراقي، جيش الدولة المركزي، لاعتبارات أمنية، وعلى الفور أيضاً تقدمت قوة من بيشمرگة الإقليم اشتبكت معهم بهدف طردهم منها والسيطرة عليها، قتلت منهم جنديين، وقُتِل منها اثنان بينهم آمر لواء، كما ورد في وسائل الاعلام.
ان هذا الاشتباك في مخمور لم يكن الاشتباك الأول في سلسلة الاشتباكات العارضة بين قوات البيشمركة الممولة من قبل الدولة، وبين قوات الجيش الرسمي للدولة، إذ سبقه آخر كان قد حصل عام 2017، اشتباكات تؤشر تلك الحساسية المفرطة بين الإقليم وبين المركز في جوانب الأمن والجغرافيا والسياسة والعلاقات الشعبية، لم يتقدم فيها الجانبان خطوة واحدة باتجاه العمل، لرسم الخطوط الصحيحة لعلاقة طبيعية بين الجانبين ضمن حدود الفيدرالية الطبيعية، وعدم رسمها أو القفز عليها في كل حكومة تشكل لأغراض التوافق الحزبي، وتمشية سفينة البلاد، بطريقة الدفع (بالمردي)، سيعرض العراق مستقبلاً إلى مواقف أصعب وأخطر، لا يتمكن بقدراته المتاحة السيطرة
عليها.
ويؤشر في الوقت ذاته، مستوى الانفعال وعدم السيطرة على الذات المهنية لدى المقاتلين العاملين في الميدان، انفعال يأتي من الشك وغياب القناعة وعدم المعرفة بالحدود والحقوق، وهو أمر كذلك خطير، لأن مثل هكذا اشتباكات في حال تكرارها، تبقى انفعالاتها السلبية في النفوس، تتجمع وتتضخم إلى مستويات يمكن أن تحرك سلوك الضد، قتالاً مستقبلياً يصعب السيطرة على مخرجاته كما حصل في مخمور.
الأمر الذي يحتم عدم غض النظر عن هذا الاشتباك وغيره، ويحتم أيضاً إعادة صياغة العلاقات العسكرية والضبطية بين البيشمرگة والمركز، وعبور حدود العداوة الموروثة من الأزمنة السابقة، والأهم السعي لإقامة فيدرالية صحيحة، يعيش ضمن حدودها أهل الإقليم بمشاعر أهل العراق، يلتزمون بعراقيتهم، ويشعر الباقون من أهله بكردية أهل الإقليم العراقية، وحقوقهم والواجبات مثلهم مثل الغير في عموم الوسط والجنوب.