جرائم الحرب

آراء 2023/11/01
...

 ميادة سفر


يعود تاريخ جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية إلى قرون طويلة مضت، إلا أنّ المصطلح لم يظهر بشكل رسمي وقانوني إلا مع بدايات القرن العشرين، فلم يكن تبني معاقبة جرائم الحرب من قبل المجتمع الدولي بالأمر السهل، فقد مرّ بالكثير من المراحل والعقبات من اتفاقية لاهاي عام 1899 وتعديلاتها عام 1907 إلى اتفاقيات جنيف لعام 1864 والاتفاقات اللاحقة عام 1949 و1977، بالإضافة إلى العديد من البرتوكولات الإضافية التي ركزت على ضرورة حماية المدنيين والأشخاص غير المنخرطين في القتال، والانتهاكات التي ترتكب أثناء الحروب.

على الرغم من تلك الاتفاقيات لم تتمكن الأمم المتحدة من صياغة قائمة رسمية بالأفعال، التي تعدُّ جرائم ضد الأمن والسلام الإنسانيين إلا بعد خمسين عاماً، ومع ذلك لم تنجح في إقرار تلك القائمة بشكل رسمي من قبل الدول الأعضاء وتأسيس محكمة جنائية مختصة بتلك الجرائم إلا في عام 1998، ولم تصادق عليها جميع الدول، التي ما زالت ترتكب الكثير من الجرائم بحق الإنسانية، وعلى رأسها إسرائيل التي استمرت طوال أكثر من سبعين عاماً تقتل وتبيد الشعب الفلسطيني، دون أن تحرك بحقها أية إدانات إلا من قبل قلة قليلة من الدول، أما معاقبتها على جرائمها فلا مجال للحديث عنه في ظل دعم منقطع النظير من قبل الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية، التي لطالما بقيت تكيل بمكيالين في تعاملها مع غيرها من الدول.

تم تبني قانون المحكمة الجنائية الدولية في روما عام 1998، وبموجب هذا القانون أصبحت المحكمة ذات صلاحية في معاقبة جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، في الحالات التي تكون فيها الدول غير قادرة أو ليس لديها رغبة على إجراء تحقيقات ومحاكمة حول بعض الجرائم، إلا أنّ الجرائم القليلة، التي تم عرضها على تلك المحكمة لم تكن إلا بدعم وموافقة الدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي بقيت ساكتة عن جرائم إسرائيل، ووقفت حائلة دون إصدار أية إدانة من مجلس الأمن الدولي، فما بالنا بمحاكمة قادة إسرائيل أمام المحكمة الدولية بجرائم حرب!

منذ السابع من تشرين الأول والجيش الإسرائيلي يواصل عدواناً عنيفاً ضد قطاع غزة المحاصر، مرتكباً الكثير من جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب بحق المدنيين، وقد وثّقت منظمة العفو الدولية عدداً من الأدلة والبراهين التي تثبت ارتكاب إسرائيل لجرائم إبادة بحق الفلسطينيين، حيث أبيدت أسر بكاملها، ودمرت أحياء وبيوت ومستشفيات وشرد الآلاف بلا مأوى ولا طعام ولا دواء، وأشارت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار أنه: «طيلة 16 عاماً أدى الحصار الإسرائيلي غير القانوني إلى تحويل قطاع غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن للحؤول، دون تحويل غزة إلى مقبرة جماعية هائلة»، فإلى متى يستمر الصمت الدولي أمام جرائم إسرائيل؟ سؤال يبدو أنه سيبقى دون إجابة، طالما بقيت الدول الكبرى متحكمة بمصائر الشعوب.