قدّك الميَّاس.. من القيروان إلى بابل

ثقافة 2023/11/02
...

 كريم راهي

ربما عدت أغنية (قدك الميّاس) واحدة من أبقى الأغاني في تاريخ الأغنية العربيّة منذ أول تسجيل «محفوظ» لها قبل أكثر من قرن وحتى الآن، عنك ما عمد إليه المطرب الشامي (صباح فخري) في تخليدها حين أدخلها في وصلة قدود حلبية صارت فيما بعد جزءاً منها، وقد سجلها في أسطوانة لصالح شركة (صوت بردى) اللبنانية حملت عنوان (فاصل اسق العطاش)، سوى ما قدمته اللبنانية (طروب) وآخرون لا يمكن حصرهم، لست أستثني منهم قرّاء المقام العراقي. ولربما حملت الأغنية فرادة أنها قدمت قبلا بعدة لغات غير العربيّة هي؛ التركية، اليونانيّة، الكوردية، كما أنها دفعت باثنين من أشهر الملحنين المصريين لمجاراتها والإفادة منها، وهما (محمد سلطان) الذي قدمها بكلمات لـ (مجدي نجيب) تحت عنوان (يا بسيم العين يا قمري) ليغنيها (محرّم فؤاد) بلحن ابتكاري فيه من الروح المصرية الكثير، والآخر هو (بليغ حمدي) في واحد من كوبليهات (مداح القمر) التي غناها (عبد الحليم حافظ) بكلمات للشاعر (محمد حمزة).

ليل الصبّ

لا شكّ أن ارتباط قصيدة الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري القيرواني (1029- 1095) (يا ليل الصبّ متى غده)، المُغنّاة على نفس مذهب (قدّك الميّاس)، والتي مضى على أقدم تسجيل متوفّر لها أكثر من قرن من الزمان أيضاً؛ هو ارتباط لحنيٌّ أكثر منه شعريّاً، وهي قصيدة منظومة على بحر المتدارك أو الخبب الخليلي -وقد يُدعى بالمُحدَث- وهو واحد من البحور الشعرية التي لم يكن النظم بها شائعاً، وقد عارضها -لجمالها وحسن سبكها- عشرات الشعراء، وأشهرهم أحمد شوقي في (مضناك جفاه مرقده) التي لحنها عبد الوهاب، عنك معارضات إسماعيل صبري وعزتلو ولي الدين يكن بك ونسيب أرسلان (مجلة الزهور ع 8 أكتوبر 1910)، وسواهم. لقد غنى يا ليل الصب الشيخ أحمد أدريس، وهو من مطربي بدايات القرن العشرين، على نغم الحجاز وبنفس اللحن المعروف لقدّك المياس، وأحتفظُ شخصياً بمكتبتي الموسيقية بتسجيلين مختلفين للأغنية إياها، يقول الشيخ في أولهما مرّة «يا ليل الصبِّ» بكسر باء (الصبّ) على أنها مضاف إليه، والظاهر أنه استدرك في النسخة التالية من التسجيل -وكان ذلك في زمن أحمد شوقي- فقرأها (الصبُّ) بالضمّ، وهو الأصوب برأينا. 

وقد غنّت فيروز للقيرواني على نفس اللحن، الذي كان قد قدّمه إدريس عام 1922، بعد وفود المطرب والملحن الفلسطيني (محمد غازي) إلى بيروت عام 1948، وإطلاعه الرحابنة، فيما بعد، على فنّ الموشحات.ويرد في مقالة للباحث الدكتور محمد صديق الجليلي (1903 - 1980) بعنوان (التراث الموسيقي في الموصل والمقامات الموصلية)، يوثّقه سهيل قاشا في كتابه (من أعلام الموصل الدكتور محمد صديق بك الجليلي)؛ أن هناك «في الموصل الكثير من الأغاني التركية على اختلاف أنواعها من أغان وأناشيد عسكرية ومدرسية وغيرها، وقد نظم لألحان الكثير منها أناشيد ومنظومات عربية، ولم ينتشر لحن من ألحان هذه الأغاني في البلاد العربية في الجيل الماضي والحاضر، كما انتشر لحن الأغنية التركية القديمة المسمّاة بنشيد استانبول (استانبول شرقيس)، وهي من مقام الحجاز، ومطلعها (اطه لرساحلنده بكليورم)، فقد استُبدلت كلماتها بقصيدة (يا ليل الصبّ متى غده) لأبي الحسن الحصري القيرواني»، ثم يستدرك بالقول: «يظهر أن وزن هذه القصيدة قد اتفق صدفة مع لحن هذه الأغنية وإيقاعها، هذا كما نُظم على لحنها في أغنية (قدك المياس يا عمري)، وفي بغداد النشيد المدرسي (وطني والحق سينجده)» وهو للشاعر محمد مهدي البصير. 

أما أغنيتنا مدار البحث فلا علاقة لوزنها الشعريّ بأي مقياس عروضي عربي، وهذا ما يدعم الرأي القائل أنها في الأصل أغنية غير عربيّة، تركيّة بالذات، مُسجّلة بصوت الملحّن الموصليّ الرائد (الملّا عثمان الموصلي) في إسطنبول، وهي من الأغاني التي تلقّفها الحلبيّون عن طريق الملّا عثمان -وكان كثير التردّد إلى حلب بحكم ارتباط الثقافتين الموسيقيّتين ارتباطاً جغرافيّاً واجتماعيّاً- فقد كانت حلب حاضنة للكثير من مفردات الثقافة الفنية الموصلية في أواخر العهد العثماني. 

ولربّما أخذت الأغنية نصّها بصيغته العربيّة المعروفة لنا بغرض ضمّها إلى مجموعة (القدود الحلبيّة) على أنها واحدةٌ من (القدّيات). فقد عدّها (عبد الرحمن جبقي) في كتابه (الفولكلور العربي والقدود الحلبي) من «الأغاني» التركية، لكنه يستدرك بالقول: إن «القدود الحلبية، وهي عبارة عن ألحان قديمة حُذف النص الأصلي منها، ووُضع بدلاً عنه شعر أو زجل عربي وذلك بـ «قدّ» الوزن تماماً، لهذا سمي (القدّ) قد. ولعلك تسمع القدّ الواحد في بلد عربي وتسمعه على نحو آخر في بلد عربي آخر، ذلك لأن اللحن في الأغنية أثبت من الكلام، وتُغنّى في كل بلد على الأسلوب الذي يساير أغانيه وطريقة غناء مطربيه»  

ويذهب (خير الدين أسدي) في كتاب (أحياء حلب وأسواقها) إلى أن أصل الأغنية نشيد ديني: «وقد حصل العكس فتحولت الأغاني الشعبية إلى أغان دينية، وفي كلتا الحالتين يعيش اللحن في جسد نص آخر. ومثال الحالة الأولى الأغنية الدينية (يا إمام الرسل يا سندي، أنت باب الله معتمدي) ونُظمت على قدّها الأغنية الشعبية قدك المياس يا عمري».

بينما يقول الكاتب والمؤرخ الموسيقي أحمد بوبس (في منتدى سماعي) إن الشيخ أمين الجندي هو ناظم كلمات معظم القدود الحلبية خلال إقامته في حلب برفقة ابراهيم باشا الذي اتخذ حلب عاصمة له بعد فتحه لسورية. ومن القدود الحلبية المشهورة (قدك المياس يا عمري).

ونحن لا نستبعد ريادة الحلبيين في نظمها بالعربية وترويجها، ففي هذا الصدد كتب (منير العمادي) في مجلة (المعرفة) السورية ع33 في سبتمبر 1964 وتحت عنوان (ليس على المطرب أن يعرب): «وفي أغانينا الشائعة التي طالما ترنم بها القوم وتمايلوا طرباً ووجداً لموسيقاها الباهجة الرشيقة بعض القدود الحلبية:

قدّك المياس يا عمري    وغصين البان كاليسري

وقد أقلقتني [والقول ما زال للعمادي] والله هذه الـ «كاليسري» التي أفسدت البيان فساداً منكراً وأخذتُ أتساءل هل يمكن لشاعر أو زجّال أن يأتي بشيء لا معنى له، وهداني التأمل إلى ما عددته ظفراً يستقيم معه البيان ويسلم ذلك بأن يُنشد: قدّك المياس يا عمري    بغصين البان كم يُزري». 

وهو ما أخذ به عازف الجوزة وقارئ المقام العراقي (شعوبي إبراهيم) فدوّنه هكذا في (دليل الأنغام لقرّاء المقام) بغداد 1982 وقُرئ غالباً على هذا النحو. وقد أيّد الرأي القائل بنسبتها للتراث الحلبي كثيرون، منهم الباحث وقارئ المقام العراقي (حمودي الوردي) في مجلة (التراث الشعبي) العراقية ع3 آذار 1982، بقوله إن القدود نوع من الغناء السوري الذي عُرف بالعراق منذ أمد بعيد حتّى أصبح جزءاً لا يتجزّأ من الأغنيات التي تؤدي عقب غناء المقامات العراقية، أو منفردةً، وذهب إلى هذا الرأي أيضاً (حسين علي لوباني) في كتابه (معجم الأغاني الشعبية الفلسطينية) 2007.

ويرى الباحث (د. عمر عتيق) في بحث نشره في مجلة (أفكار) الأردنية ع 255 في 2010، أنه قد «تطور غناء الوصلة المصرية الشامية بتأثير الطريقة التركية، ومن أشهر أشكالها (قدك المياس يا عمري)، وسائر الآهات والترنمات التي بدأ بإدراجها في مصر عبده الحامولي مجارياً أشهر المطربين بالإستانة».  

بينما يرى الناقد الموسيقي (إبراهيم عوبيديا) وهو من يهود العراق، أن الأغنية عراقية الأصل، وقد نُقلت عنهم شأنها شأن بعض الأغاني والأزجال التي تُنسب لغير العراق، فقد كتب في جريدة (الأنباء) العدد 2759 في 4 نوفمبر 1977: «وكذلك شأن الأغنية العراقية المشهورة [قدك المياس]، فقد بقي مطلعها كما هو، واللحن كما هو، بينما حدث تغيير في أدوار الأغنية وأصل أدوارها العراقية من الشعر العامي وقد غُيِّرت أدوارها بشعر عامي أيضاً في البلاد العربية، والأغنية هذه، من وزن الوحدة في البستات العراقية أما نغمها فهو نغم الحجاز وهو من أنغام المقامات العراقية»، ثم يضع عوبيديا بعضاً من كلماتها المغناة في أصلها العراقي وكما يلي:

«تلاطفني وألاطفه     وأنا المجبور ابهل لطفه

يعون الحبّ شفايفهه أحلى من السكر والعسلِ

عيونك سود يمحلاها    يكلّ الدنيا تهواها

دخلّي الناس ابلواها    سبيت الدنيا أوما تدري».

وهذا ما سمعنا بعضه في غناء المطرب البحريني الرائد (محمد زويد) في تسجيل تلفزيوني شائع تحت اسم «بستة أدُّك الميّاس»، تُغنّى فيه على الطريقة الخليجية المصاحبة للتصفيق يورد فيه أبياتاً لم ترد في باقي التسجيلات المعروفة، ومن ضمنها قفل (إنا أعطيناك الكوثر) المشهور في (القصيدة الكوثرية) للسيد (رضا الهندي)، التي يبدو أنه تأثر بها أثناء مدة مكوثه في العراق بغرض اكتساب الفنون والتسجيل لشركات الاسطوانات:

ويعود أقدم تسجيل متوفر للأغنية إياها بكلام عربي إلى أسطوانة سجلها (فرج الله أفندي بيضا) لصالح الشركة المسمّاة (بيضا أبناء العم)، ويُنسب التسجيل إلى عام 1907. 

وقد كان الأفندي نفسه قد سجّل أشهر «حلبيّات» تلك الحقبة ومنها: يا طيري يا حمامة، يا غصن نقا، يا غزالي كيف عنّي، يلبقلك شبك الإلماس، البنت الشلبية، مرمر زماني... إلخ، وهي السلسلة ذاتها التي أعاد غناءها الشاميّون، ونقلتها المطربات الشاميات إلى بغداد في بداية حقبة التحرر من قيد العثمانيين بعد ثورة تركيا الدستورية عام 1908، كما ويأتي على ذكرها بالاسم (قدك المياس يا عمري) الشاعر عبد الكريم العلاف في كتابه (بغداد القديمة) 1960. على أنها، والعديد ممّا عرف بالحلبيات فيما بعد، كانت بداية «التهتّك» الطربي في العراق، بعد أن أزاحت فرق الچالغي وبستات المقامات العراقي، وحلّت محلّها. كما أننا نحتفظ بتسجيل للمطربة اللبنانية (حسيبة موشي) يعود لثلاثينيات القرن الفائت، غنّته ضمن مجموعة تضمّ: يا غصن نقا، عالروزنة.. وسواها.


أصول غير عربية:

إذا تغاضينا عن الأسباب التاريخية والموسيقية، فلا يمكن، اعتماداً على كلماتها المدوّنة، عدّ أغنية (قدّك المياس) ذات أصول عربيّة خالصة، ذلك أن الوزن الشعري الذي كُتبت به لا يمتّ بأية صلة ببحور الشعر الخليلية المعروفة، ولا بأوزان الموشّحات والأزجال العربية -وهي لا علاقة لها إطلاقاً ببحر المديد العروضي- وعليه يمكن القول إنها كُتبت اعتماداً على الموسيقى الأصلية غير العربية، ورغم أن هنالك نُسخاً منها باللغة اليونانية والكردية، فأنا أرجّح أن أصولها تركيّة كما ذكر الجليلي، وهي معروفة في تركيا تحت اسم «Ada Sahillerinde Bekliyorum». وهناك من يزعم -وهذا ما لا نستبعده أيضاً- أن أصلها مقتبس من لحن يوناني شعبي قديم يردّونه للعام 1821، قد يُعرف مرة باسم (Τα βάσανά μου χαίρομαι) ومعناها (أنا أفرح بعذابي)، أو ثانية باسم «Σαν πας στα ξένα»، ومعناها (كما لو أنك ذاهب إلى بلاد الغربة)، كما يشير للأخيرة الباحث الموسيقي Frye Ellen في كتابه الصادر عام 1973، تحت عنوان The marble threshing floor; a collection of Greek folk-songs، وهو رأي قد نأخذ به لو نظرنا إلى التأثيرات المتبادلة في دول أوروبا. واعتماداً على كلمات بيتيها الأولين كما صارا يُغنّيان عندنا:

قدك المياس يا عمري      يا غصين البان كاد يُزري 

أنت أحلى الناس في نظري جلّ من سواك يا عمري

فإنّنا عند تقطيعنا لهما لن نصل إلى أيّة نتيجة مُرضية؛ لا في عروض الخليل ولا موازين شعر العامية. وعليه يمكن القول أن تتبُّع أصولها يجب أن يخضع لشروط العروض بالنسبة للّغات أخرى كالتركية أو ما قاربها، وهو ما لا علم لنا به. 

وقد يكون زعمُنا مُقنعاً بعض الشيء إذا ما علمنا أن كلمات القصيدة بنسختها الكردية «که ده لین ئه مرؤ ده شت و كيو شينه»، كانت من نظم الشاعر الكردي الكبير الحاج توفيق المعروف باسم (پیره میرد)، وهو من الشعراء الكلاسيكيين. وقد غناها في ثلاثينيات القرن الفائت الملا كريم سابلاغي (1961- 1880) وهو من كورد إيران، الذي اكتشف موهبته الأستاذ (ماموستا نالى)، وقد طوى النسيان هذه الأغنية طويلاً، غير أن المغني (مظهر خالقي)، أحياها حين أعاد غناءها بعد الملا كريم بحدود نصف القرن، في حين أدّاها من المتأخرين (برواس حسين) وآخرون.  

يقول جمال بابان في معجم (أعلام الكورد): «يعتبر الملا كريم أحد أشهر الفنانين الموهوبين في الأغاني الكردية، وقد اشتهر بعذوبة صوته وتأثيره الكبير على السامعين، فبعد أن ذاع صيته في الغناء، تعاقدت معه شركة بيضا فون في بغداد، فسجلت له بعض أغانيه، كما سجل عام 1928 مع المرحوم (ره شول - رشيد عبدالله) قسماً آخر من الأغاني، وكانت المرحومة السيدة حفصة خان النقيب تشجعه باستمرار على تسجيل ما يمكن من الأغاني الوطنية، وبالفعل سجل من أشعار الشاعر الكبير الحاج توفيق (پیره میرد) بعض الأغاني التي يتغنى فيها الشاعر بجمال كردستان في الربيع، وبجمال جبل (گویژه)، ومنها أغنية: «که ده لین ئه مرؤ ده شت و كيو شينه». 

وهي النسخة الكردية من (قدّك الميّاس). كما أن تاريخ تسجيل الأغنية حسب بعض المصادر يعود إلى العام 1937، أي بعد تأسيس القسم الكردي في الإذاعة العراقية الذي تم في العام التالي لإنشاء إذاعة بغداد. 


قدك المياس في الأشعار

إنَّ مصطلح القدّيات -والمفرد قدّية- الذي يُطلق على بعض فنون الغناء في حلب، والشام عموماً، قد نُحت برأينا لكثرة ترداد الأشعار التي شاع فيها ذكر «القد الميّاس» في الأغاني أو الموشّحات والأزجال، وهو تعبير اصطلاحي شعريّ وغنائي لم نتوصّل إلى أول من روّجه شعريّاً، إلا أننا استطعنا أن نحصر بعضاً منها من خلال بحثنا عن عبارة (قدّك الميّاس) في بطون الكتب الأدبية، وقد وقعنا على العشرات منها، ونورد على سبيل المثال البيت الشعري الذي ورد فيه التعبير إيّاه، والذي يعود للقرن الخامس الهجري، وقد ذكره صاحبا (المستطرف في كلّ فن مستلطف) و(الوافي بالوفيّات)، وهو منسوب لـلمهدي بالله الأموي:

أهديتُ مُشبه «قدّك الميّاس»      

غصناً نضيراً ناعماً من آسِ

ومن أشهر ما جاء في الأشعار قول محمد بن علي البدر: 

كلّا ولولا «قدك المياس» لم     

يصبُ الفؤادُ إلى غصونِ البانِ

ولابن سودون من العصر المملوكي:

أمسى فؤاديَ من وجدي على خطرٍ    مُذ شفّه «قدّك المياس» إذ خطرا

ومن المحدثين يكفينا أن نورد من السيد محمد سعيد الحبوبي:

ملء برديه عفة ودلال     حرس اللَه «قدّه المياسا»

أمّا في الأزجال والموشّحات فإن ذكر القدّ الميّاس أكبر من أن يُقيّد في عدد. 

سواء كان بصيغة المخاطب «قدّك» أو الغائب «قدّه»، وإن حصره من العسير. كما غنى أصحاب مدرسة الموسيقى المصرية «الفصحى» في أوائل القرن العشرين من أدوارهم (قدّه المياس زود وجدي) من وضع محمد عثمان، وقد قرأها سلامة حجازي ومحمد أفندي سالم ودهاقنة الطرب المصري، وشأنها مختلف تماماً عن أغنيتنا، لكنه من الأدوار المميزة المرتبطة بالتغزل بالقد المياس. إننا نسوق هذه المقدّمة المختصرة -على طولها- عن الأغنية مدار البحث لنعرّج على ذكر اثنين من التنويعات التي قامت بمحاكاتها لحنيّاً في العراق، وتحديداً في بابل، فقد ألهمت واحداً من شعراء العامّية العراقية، وهو الشاعر الحلّي الملّا محمد علي القصّاب، لينسج على منوالها قصيدة (أنا اريدك دوم تتدلّل) التي غنّاها خالد الذِكر الفنّان سعدي الحلّي، عنك ما فعله الملحّن كوكب حمزة حين استعار اللحن في كوبليهات أغنية (يا نجمة) التي كتب كلماتها الشاعر كاظم الركابي، وغنّاها الفنان حسين نعمة في بدايات ظهوره الفنّي نهاية الستينيات، وهذا ما سنتوسّع في تفصيله لاحقاً استكمالاً لسلسلتنا في موضوع (جذور الأغنية العراقية)، بعد أن قدّمنا بما يسع المقال له.