هزيمة في غزة

آراء 2023/11/08
...

 ساطع راجي

الجرائم الإسرائيليَّة في غزة تمثل هزيمة كبرى للإنسانيَّة وتحديداً للقوى الغربيَّة الكبرى، حكومات ومنظمات، التي تحمل شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، بل إنها أبدت انشغالا بحماية حيوانات من الانقراض وغابات من الحرائق وشواطئ من التلوث أكثر بكثير مما فعلت من أجل حماية المدنيين في غزة.

إنَّ نشوب حربٍ بين طرفين لا يعني ترخيصاً بتجاوز كل الأخلاقيات والأعراف الإنسانيَّة، وتعرض أحد الطرفين لضربة قويَّة لا يعني فتح الباب له لممارسة الانتقام كما يشاء، فهذا سلوكٌ لم تنحط له البشريَّة حتى في أتعس حالاتها وفي الأزمنة الأشد ظلمة، بينما تصرُّ إسرائيل على تنفيذ إبادة جماعيَّة وانتقامٍ شاملٍ أمام الإنسانيَّة كلها غير مبالية بالتوثيق القضائي ولا بغضب الرأي العام ولا بالمنظمات الإنسانيَّة الدوليَّة، وبذلك توجه أكبر إهانة للمجتمع الدولي والإنساني ولقيمه الحديثة.

الممارسات الإسرائيليَّة في غزة رفعت الغطاء عن أي إجرامٍ مستقبلي ترتكبه دولة ما أو حكومة ما ضد المدنيين، إذ سيكون الإفلات الإسرائيلي من الردع والعقاب ذريعة لأي مجرمٍ سياسي عندما يبيد المدنيين ويتجاوز قوانين وأعراف الحروب، ومن المؤكد أنَّ قيمة المنظمات الدوليَّة قد  تَضَعضَعَت بعدما صار واضحاً أنَّ قوتها ومؤسساتها لا تعمل عندما يكون الجاني قوياً أو مدعوماً من القوى الغربيَّة التي تحشدت أساطيلها وقواتها لحماية الإجرام الإسرائيلي من أي ردٍ فعلٍ شعبي أو رسمي من مجتمعات ودول المنطقة.

خسرت الإنسانيَّة في غزة الكثير من القيم والقوانين والأعراف وأهدرت نضالات مفكرين ومنظمات عملت سنين طويلة لحماية الحياة الإنسانيَّة أولاً وتثبيت حقوق المدنيين والأطفال والعجزة والمسعفين وحماية المستشفيات ودور العبادة والخدمات العامَّة، كما عملت على منع انحدار الإنسان وراء غرائزه الانتقاميَّة.

من الآن وصاعداً لن يحتاج أحدٌ عندما يضرب مثلاً في الإجرام الجماعي الى استذكار السفاحين ومرتكبي الإبادة الجماعيَّة القدامى الذين تصرفوا وفقاً لمنطق أزمنتهم المظلمة ولا لأولئك الذين يقعون في مناطق الجدل السياسي بين أنصارهم وأعدائهم أو الذين لا وثائق دامغة تدينهم، لأنَّ إسرائيل دونت جرائمها بكل الطرق وثبتت أنها جرائم مقصودة ضد المدنيين بهدف تهجيرهم أو إبادتهم والأسوأ أنَّها أكدت تمكن النزعة الانتقاميَّة الإجراميَّة من الإنسان حتى وهو الأعلى تعليماً وتصنيعاً وتمدنا ما دام يستمد طاقته العنفيَّة من موروثات ثقافيَّة 

دمويَّة.

هزيمة الإنسانيَّة في غزة لها وجوهٌ كثيرة، وهي قبيحة كلها، من الانتقام وتجاهل الأخلاق الى العجز عن وقف الجريمة الى الظلم البائن في موقف الأقوياء من الضحيَّة والجلاد، وهي هزيمة ستبقى تداعياتها وتتسع وستؤدي الى مزيدٍ من الغضب والكراهيَّة.