سناء الوادي
ممَّا لا شكَّ فيه أنّ عمليَّة طوفان الأقصى التي انطلقت صبيحة السابع من تشرين الأول، كانت صادمة للعدو الإسرائيلي من جميع النواحي العسكريَّة واللوجستيَّة، وهذا ما تثبته تفاصيل المجابهة منذ اللحظة الأولى إلى
حين كتابة هذه السطور، فعنصر المباغتة للاحتلال في عقر داره تصدر المشهد وتطور السلاح الموجود بيد المقاومة وفتكه رغم بساطته وتركيبه محلياً كقاذفات ياسين التي دمرت دبابة النمر أسطورة المدرعات الأكثر تصفيحاً، لكنْ برأيي ما يجب التركيز عليه وبقوة هو ذلك العدد الكبير من الإسرائيليين الذين أسرتهم حركة حماس ويقبعون الآن في أنفاقها الممتدة تحت قطاع
غزة.
هذا الملف الذي أضاف للعمليَّة العسكريَّة نكهة النصر حتى لو لم تؤتِ ثمارها الأخرى فقد أثار جنون الدول الكبرى ناهيك عن تناول الموضوع بطريقة شيطانيَّة من قبل وسائل الإعلام الغربيَّة، ففي كل حوارٍ متلفزٍ أو مقالٍ صحفي وحتّى تصريحات المسؤولين التي تصفهم بالرهائن بلغطٍ مقصودٍ يُراد به سحب هذه الورقة الرابحة من يد المقاومة الفلسطينيَّة، فعند الحديث عن رهينة في القانون الدولي وحسب اتفاقيات جينيف الأربع بهذا الشأن «فهو كل مدني غير منخرط في القتال» بينما الأسير هو المشارك في الأعمال العدائيَّة المسلحة أو عضو في جماعة مسلحة غير نظاميَّة سواءً في السلم أو الحرب، وانطلاقاً من ذلك فإنَّ تسليط الضوء على ملف الأسرى على أنَّهم رهائن يستدعي تجريم حركة المقاومة وتصنيف هذا العمل ضمن الأعمال الإرهابيَّة للمدنيين.
وفي هذا السياق إذاً فلا يحق لحماس أنْ تساومَ بهذا الملف فتقايضه بستة آلاف أسير فلسطيني يرزحون في سجون الاحتلال من بينهم أطفال ونساء حيث يعاملون بطريقة غير إنسانيَّة لا تمت للقانون الإنساني الدولي الذي يلزم بمعاملة الأسير بشكل إنساني يحافظ على حياته وكرامته، وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى كون حركة المقاومة أشارت إلى أنَّه يتواجد من بين الأسرى أشخاصٌ مدنيون لهم جنسيات مزدوجة لم يتم التحقق من هويتهم بسبب ظروف العمليَّة وحين يتمُّ التأكد منهم سيتم إطلاقهم على الفور وبلا قيد، فضلاً عن قيامها بإطلاق أمٍ وطفليها بالأيام الأولى بعد العمليَّة ومن ثمَّ إطلاق رهينتين مسنتين لظروفهما الصحيَّة وهذا ما سبب إحراجاً لحكومة نتنياهو بعد تصريحهما عن المعاملة الكريمة التي تلقتاهما من عناصر الحركة وأشادتا بهم لينفي ذلك الشائعات التي يروجها رئيس حكومة الكيان الغاصب ومن خلفه حديث رئيس الولايات المتحدة الأميركيَّة جو بايدن وتعاطفه حول قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين على يد رجال حركة
حماس.
إنّ تواجد هؤلاء الإسرائيليين في أنفاق حماس لربما كان من الأسباب الحقيقيَّة لعدم القيام باجتياح بري واسع النطاق كما توعدت به حكومة الاحتلال خاصة بعد تزايد الضغوط عليهم من الشارع الداخلي والقلق العارم على مصير أبنائهم ومطالبتهم بوقف الهجوم البري وجعل العمل على تحريرهم من أولويات هذه الحكومة، ورقة الأسرى ليست فقط ورقة رابحة تلاعب بها حماس الكيان المحتل بذكاءٍ ولكنها قد تكون الورقة الراجحة لكفة الميزان التي قد تفقد الحكومة الثقة وتودي بنتنياهو في النهاية إلى السجن لأسبابٍ متعددة أولها العجز الأمني والاستخباراتي الذي كشفه الطوفان، ناهيك عن عدم القدرة على إدارة ملف المحتجزين لدى حماس بنجاحٍ، فضلاً عن كلماتهم الجوفاء التي يتفوهون بها بين الفينة والأخرى وعدم وضوح أهدافهم من الحرب المعلنة على غزة، فبينما يتحدث يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحماس عن جاهزيَّة الحركة الفوريَّة لإتمام صفقة إطلاق المحتجزين مقابل تبييض السجون الإسرائيليَّة من الفلسطينيين تماماً، نرى في المقلب الآخر حديث نتنياهو الضبابي بقوله إنَّ مباحثاتٍ جاريَّة بشأن تبادلٍ محتملٍ للأسرى.
وبالعودة خطفاً للقانون الدولي أريد أنْ أشير للمادة 51 من بروتوكول جينيف الأول عام 1977، التي توضح بأنَّ «الأهداف العسكريَّة هي التي تسهمُ مساهمة فعّالة في العمل العسكري سواءً بطبيعتها أو موقعها أو غايتها أو استخدامها» ومن ذلك فإنَّ المستوطنات الإسرائيليَّة إنما هي بؤرٌ يتخذها الاحتلال لتجميع الأسلحة والمعدات وتعدُّ نقطة ارتكاز للعمليات العسكريَّة، كما أنها السياج الذي يخنق الفلسطينيين ويجردهم من حقوقهم المدنيَّة والإنسانيَّة، والجميع يعرف أنَّ المستوطنين هم عناصر خامدة في الجيش الإسرائيلي في وقت السلم.
إذاً فالحق وكل الحق للمقاومة الفلسطينيَّة بأسر أي إسرائيلي قد أسهم بشكلٍ أو بآخر بالحصار المفروض على قطاع غزة مذ سنوات خلت وجعلت من الفلسطينيين أسرى في مكانهم الواسع.