علي الخفاجي
ربما المتابع للشأن العالمي يلاحظ حجم المآسي، التي تحيط
بنا من قتال وحروب ومجاعة ونقص بالمياه وأوبئة وأمراض وغيرها الكثير من التداخلات الحياتية والتشعبات، فمنذ فترة ليست بالقليلة والعالم يشهد توترات وتقلبات كبيرة بأيادٍ تسعى للخراب والعبث بمقدرات هذه
الدول، وبفعل العولمة يكاد لايخلو بلد من بلدان العالم، إلا وهو مشغول بحرب عنصرية أو اقتتال داخلي أو خارجي أو أزمة
اقتصادية.
فرق تسد، تلك العبارة، التي تنسب إلى ملك مقدونيا فيليب الثاني، حيث أُستخِدم هذا المصطلح للتعبير عن تفكيك العدو، من خلال استخدام جميع الوسائل المتاحة وغير المتاحة، عسكرية كانت أو اقتصادية وحتى الإعلامية، وهو حسب التعبير المستخدم يعني تفريق قوة الخصم إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة مما يسهل التعامل معها، ومن ذلك الحين وحتى أواسط القرن التاسع عشر أبان فترة الاستعمار، الذي بدأ في ذلك الوقت والأسلوب المتبع الذي ثبت نجاحه هو سياسة التفرقة، وبالتالي إنهاك الدول المحتلة ونخر قواها العسكرية والاقتصادية وإشعال حرب داخلية، نتيجة لهذا التقسيم والتجارب كثيرة لسنا بصدد التكلم عنها، وما دمنا ندور في هذا الفلك لا بد من أن نستذكر افغانستان، والتي مضت على سيطرة حركة طالبان عليها سنتان تقريباً، ومن ذلك الحين والى الآن فهي تمر على الأحداث وعلى نشرات الأخبار مرور الكرام، دون أي إهتمام دولي ودون اي متابعة من قبل المجتمع الدولي/ لما آلت اليه أحوال المواطنين الأفغان في ظل سيطرة طالبان، ومن حينها بدأت مرحلة السقوط الحر لدولة إفغانستان، حيث تهاوى الوضع الإقتصادي وكذلك السياسي وسط صمت دولي
رهيب.
أزمات العالم المتكررة والمتسارعة غطت على ما يجري في أفغانستان، فمن واحدة إلى أخرى وآخرها الحرب الاوكرانية- الروسية وتصاعد التوتر الصيني- الاوكراني، وحرب 7 اكتوبر بين الفلسطينيين وإسرائيل اثر بشكلٍ كبير على دور المجتمع الدولي، لأخذ دوره المعتاد للوقوف مع الشعب الأفغاني، الذي وحسب التقارير الإستقصائية القليلة التي ترد من هناك بأنهم يعيشون ظروفاً مأساوية من ناحية المعيشة والحريات العامة، فباتت طالبان نتيجة العزلة الدولية تعمل على سداد رواتب موظفيها ومستخدميها، من خلال السلع العينية بمعنى أنها تعمل بمبدأ المقايضة والذي بدوره لا يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث، بالمحصلة وكتحصيل حاصل فإن سياسة الإلهاء حسب منظور علم السياسة، التي تتبعها القوى
العظمى هي نفس سياسة فرق تسد، بل تعدُ فرعا من أفرعها حيث تعمد هذه القوى على افتعال أحداث جديدة لتنسينا ماجرى من أحداث، وفي ظل ما تعيشه أفغانستان وفي ظل
الغموض المستشري على هذه الدولة هنالك من يؤيد اجراء محادثات مع طالبان، لأن المحادثات من شانها تصنع التغيير، وآخر من يرى أن لا فائدة من اجراء محادثات لأن اسلوب حركة طالبان، لا يتغير على الإطلاق، وبين هذا وذاك يبقى المواطن الافغاني رهين القرارات المستقبلية للمجتمع الدولي، ويتأمل بايجاد الحلول لخروجه من العزلة
والاضطهاد.