ليلٌ بغداديٌ في غزَّة

آراء 2023/11/12
...

 نوزاد حسن


 أحداث غزَّة أو ما سمي بطوفان الأقصى أعادني لذكرى قديمة عشنا فصولها قبل عقود. وذكرياتنا مع الليالي السوداء المليئة بالحزن والخوف لا تنسى. ذلك زمن انتهى لكنه لا يزال حيا في ذاكرة كل منا. إنها ذاكرة الحروب بكل لياليها القاسية التي عشناها على مدى سنوات طوال. 

ولا أعتقد أن أحدا في هذا العالم يستطيع أن يحس بليل غزَّة، كما نحس به نحن أبناء الحروب العبثية التي خاضها النظام السابق ثم دفعنا ثمنها لاحقا. نحن فقط نحس بما يجري في غزَّة الآن بكامل التقاصيل. يكفي أن نخفض صوت التلفاز لنتابع كثافة الظلمة، التي تشتعل فيها بقع ضوء متناثرة. 

تبدو صورة غزَّة وهي مظلمة صورة عادية، مجرد صورة. هكذا يحس أي مشاهد مترف لم يتعرض لمثل ذكرى هذه الحرب الفلسطينيَّة الجديدة. بالنسبة لي ولغيري من الأشخاص ممن دبغت الحرب جلودهم يخفي ظلام غزَّة خوف أطفال وشيوخ ومرضى. 

في إحدى المرات قال أحد مثقفي فلسطين أظنه محمود درويش إن الاطفال يولدون كبارًا في فلسطين. ومع تاريخ مليء بالدم والحرب يفكر الفلسطيني بأنه محارب من طراز خاص. محارب لن تنهكه الحرب، ومنازلات الميدان. 

ليل غزَّة له طعم ليالي بغداد، حين كنا نتجمع في الشارع، أو داخل البيت ونحن نشعل الشموع، أو فوانيس نصنعها باسلوب بدائي مضحك لنستطيع ان نمارس حياتنا الليلية، التي كثيرا ما كانت بائسة لانها ليالي حرب بلا معنى. أفهم بكل جوارحي ما يحدث في ظلام غزَّة التي تتعرض لقصف وحشي. ليل طويل في منطقة مكتظة بالسكاكين. اي قلق ينتاب الصغار. 

مجرد التفكير بهم يقلقني، ويذكرني بصوت أبي العجوز، وهو يحتمي تحت السلم ظنا منه أنه يحمي نفسه، ويحاول اقناعنا هو العسكري المخضرم أن أفضل الامكنة الفراغ تحت سلم البيت. 

اتذكر تلك اللحظات، وها أنا أواجهها مرة اخرى حين اتعمد كتم صوت التلفاز لأواجه ليل غزَّة المليء بشعور الفلسطيني، وهو يفكر بأن موته ليس إلا خطوة نحو كرامة لا يمكنه التفريط بها. 

ظلام دامس تصنعه الحرب التي تبدع في فرض الصمت الليلي على مواطنين ابرياء يعيشون في مربع صغير بدأ يتعرض لقصف لا يرحم.