مهدي القريشي
في ظل تفاقم الأزمات الاقتصاديَّة أو السياسيَّة أو الاجتماعيَّة تطفو على سطح الأحداث سرديات تكون غاطسة في القاع، مستسلمة للرخاء والدعة والسلام، وما على الأحداث والأزمات إلا استعادة هذه السرديات وتقديمها للإعلام والمجتمع، وهكذا تدور هذه السرديات بين الظهور القسري والإخفاء. والحرب الاخيرة في غزة مع المحتل الإسرائيلي أظهرت عدة سرديات تتواءم مع سير المعارك وتتبنى اللبنة الأساسيَّة لإعلام معظم الدول كمرجعية لتاريخ التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هذه السرديات لم تكن وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى عقود من الزمن، وقد نضجتها نار الحرب الدائرة حالياً، لتظهر لنا ماهيتها ومتبنياتها وأهدافها وحيثياتها
بعد أن نفضت عن جسدُها رماد عدم التداول، من هذه السرديات، سرديَّة السلام، سرديَّة التفاوض، سرديَّة التطبيع، وسرديَّة حل الدولتين، لكن من مجموع هذه السرديات تتقدم، اعلامياً، سرديَّة حل الدولتين، والتي نالت استحسان وتبني بعض الدول العربية وبشرت بها، وبعضها قام بتسويقها على استحياء، والبعض الآخر رفضها جملة وتفصيلًا، ورفضها بشكل قاطع ممثلا بالعراق كأنموذج لرفض فكرة حل الدولتين، فما هي سرديَّة هذه الفكرة.
هذه السرديَّة كانت مقترحاً ظهر بعد هزيمة حزيران 1967 من قبل المفكر السياسي وعالم اللسانيات الامريكي (نعوم تشومسكي ) بعد أن روجت له الجامعات الأمريكية، وماهية هذا المقترح والتي تبنته الكثير من الدول العربية والاسلامية والاوربية كحل أمثل للقضية الفلسطينيَّة، كما يزعمون، وكاقتراح من أجل تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اما محتوى هذه السرديَّة المقترحة هي تقسيم الاراضي الفلسطينيَّة التاريخية إلى قسمين، قسم تابع لإسرائيل، وقسم آخر لدولة فلسطين على أراضي حدود الرابع من حزيران 1967 بمعنى ان تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينيَّة، التي احتلتها بعد انتكاسة حزيران 1967، وقد استندت اراء ومقترحات تشومسكي على قرارات لجنة بيل 1937والتي يترأسها إيرل بيل وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند سابقاً، وعضو المجلس الخاص للمملكة المتحدة وتعرف باسم (اللجنة الملكية الفلسطينيَّة)، والتي شكلتها بريطانية، وهي أول من نادت بحل الدولتين بهدف تقديم مقترحات حول الانتداب البريطاني لفلسطين، اذا ما عرفنا أن بعض الفلسطينيين رفضوا مقترح تشومسكي رفضاً قاطعاً في حين أيدته بعض الدول العربية والاسلامية ومعظم دول العالم وحتى بعض الفصائل الفلسطينيَّة.
فهل يا ترى وافق الإسرائيليون على هذا المقترح؟
عليه سيكون جوابنا بالنفي أيضاً، فقد وجه اللوبي الصهيوني متمثلا باليمين المتطرف انتقادات حادة إلى تشومسكي، حتى وصلت إلى التهديد بالقتل، زاعمين ان اقتراحه هذا يُعد معاديًا للسامية.
رغم أن هذا المقترح له مناصرون عرب ودوليون ومؤسسات اممية ومؤسسات غير حكومية، إضافة إلى منظمة الامم المتحدة والتي منحت دولة فلسطين (عضو مراقب)، وترى هذه الدول والمنظمات أن تطبيق هذا المقترح ستكون له نتائج ايجابية وكحل امثل في إحلال السلام بين الدولتين وسيادة الأمن للفلسطينيين والشرق الأوسط والعالم كافة، اما الجهة الأكثر اعتراضاً لهذا المقترح هي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي ترفض رفضاً قاطعًا، اي محاولة للاعتراف بإسرائيل وأن مهمتها قائمة على تحرير كامل الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة.