الألعاب الإلكترونيَّة.. وقتٌ مستنزفٌ وصحةٌ مهدورة
رحيم رزاق الجبوري
لم يعد غريبا مشاهدة منظر الأطفال والمراهقين، وهم يمارسون الألعاب الإلكترونية في قاعات الترفيه المنتشرة في المدن والأحياء والأزقة، والتي صنعت بشكل مذهل ومغر؛ لاحتوائها على عناصر الجذب العديدة؛ من سيناريو وشخوص، مرورا بالتشويق والإثارة واللهفة، وصولا للمؤثرات البصرية والصورية والموسيقية وغيرها. كل هذا وغيره، جعل الكبار قبل الصغار؛ يتسمرون أمام الشاشات الكبيرة والصغيرة؛ ليقضوا ساعاتٍ متواصلة بدون كلل وملل؟
فلا أحد ينكر فوائد هذه الألعاب، في زيادة ذكائهم وتوسيع مداركهم وتفكيرهم؛ إلا أن الإدمان عليها يعرضهم لمخاطر عدة، ولهذا أصبح مألوفا رؤية الأطفال بأعمار مختلفة، يعانون من زيادة في الوزن، ويرتدون نظارات طبية؟ بسبب قلة حركتهم، وقضائهم أوقاتًا طويلة، وهم يمارسون هذه الألعاب التي تستهدفهم؛ من خلال انعكاس أساليب العنف على سلوكياتهم، وتؤثر في الوجدان والفكر وتبديل الثقافة، وتسهم في تأخير استيعابهم للعالم الحقيقي المحيط بهم، كما تعرقل تعلمهم لبعض المهارات، وتخفض مستوى الثقة في النفس، إضافة إلى الوحدة وتفضيل العزلة. ما ينعكس على انخفاض الأداء الدراسي لديهم.
تجارةٌ مربحة
ذكرت منصات ومواقع متخصصة في مجال سوق الألعاب الإلكترونية، بأن حجم هذا السوق قد بلغ 203.12 مليارات دولار أميركي عام 2020 ومن المتوقع أن يصل حجمه نحو 546 مليار دولار عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 13.2% خلال هذه الفترة؟ وبلغ عدد الذين يمارسون هذه الألعاب 2.69 مليار لاعب في جميع أنحاء العالم في عام 2020، وسيرتفع هذا الرقم إلى 3.07 مليارات في عام 2023 بنسبة نمو سنوي مركب تبلغ 5.6% وهناك ما بين 3% و4% من هؤلاء اللاعبين مدمنون تماما على هذه الألعاب، وفي مراجعة منهجية، فقد تبين أن معدل الانتشار العالمي لاضطراب الألعاب يبلغ 3.05% وهذا يعني أنه يوجد نحو 60 مليون شخص أو أكثر يعانون من اضطراب الألعاب أو الإدمان؟
إدمان إلكتروني
يقول د. فاضل الغراوي (رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان): "إن أطفال العراق يتعرضون إلى خطر مستمر بسبب الإدمان الإلكتروني؟ وإن الأعمار التي تتراوح ما بين ٥- ١٥ عاما يقضون في المتوسط 44.5 ساعة أسبوعيا أمام الشاشات الإلكترونية! وهؤلاء يعانون من صعوبة في النوم، بسبب هوسهم خلال الليل بهذه الألعاب. ويمكن أن يؤدي هذا الإدمان إلى زيادة فرصة الإصابة بالاكتئاب، والقلق، ومشكلات في التركيز، وسرعة الغضب والسلوك العدواني، والتوجه نحو العزلة والصمت، وعدم الرغبة في التواصل مع الآخرين".
خطر حقيقي
ويضيف الغراوي، بالقول: "إن أطفالنا أمام خطر حقيقي يومي؛ لأن استخدام الإنترنت لساعات طويلة يعرضهم للمخاطر والأضرار، والوصول إلى محتويات مؤذية، كالاستغلال الجنسي، والتنمر، وغيرها. فعلى الحكومة أن تقوم بإطلاق برامج توعوية بالتعاون مع منظمة اليونسيف حول الوقاية من الإدمان. والتأكيد على كل الأسر العراقية بتشجيع أبنائهم على ممارسة الهوايات الحركية كالرياضة والسباحة أو عزف الموسيقى والرسم، وغيرها. ومن المهم تحديد وقت لممارسة هذه الألعاب بساعات معينة، وجعلها مكافآت على انضباط الطفل والتزامه بتعليماتهم، على ألا تزيد على ساعتين في اليوم. وعدم ترك الهواتف مع الأطفال الصغار بعمر أقل من 3 سنوات من أجل تلهيتهم، ويمكن استبداله بالأنشطة المفيدة، مثل التلوين والألعاب الحركية والمكعبات والكرة. وعليهم مراقبة الألعاب التي يختارها أبناؤهم بحيث تكون مناسبة لأعمارهم، وعدم السماح لهم بممارسة الألعاب التي تحمل طابع العنف، والتأكد من خلوها من أي مشاهد أو ألفاظ أو توجهات غير أخلاقية. ويجب توعيتهم وتعليمهم على أن الإنترنت ليس للعب فقط، وإنما يمكن استخدامه في نشاطات أخرى مفيدة ونافعة".
تصنيفات
ويبين د. أيوب عبد الحميد (مدير مكتب الخدمات النفسية في دائرة صحة كركوك، سابقا) ضمن محاضرة قدمها في البيت الثقافي في كركوك: "إن الألعاب الإلكترونية، تنقسم إلى عدة أصناف، منها: الألعاب التربوية والفنية والاستطلاعية واللغوية والعلاجية والتركيبية والثقافية. وعليه لا بد لهذه الألعاب أن تكون لها قيم اجتماعية وخلقية. ولكن من المؤسف أن معظم ما يتوفر لدينا هي ألعاب قتالية؟ وعلى العائلة مسؤولية أن تحدد اختيار نوع الألعاب، ومدة اللعب، ومكان الممارسة للطفل. وهناك تصنيف دولي لاختيار ما يسمح به من الألعاب حسب العمر، لكن للأسف غير معمول به. ولعل العديد من الأبحاث والدراسات أكدت بأن بعض هذه الألعاب المشجعة للعنف قد تكون من ضمن العوامل التي تسببت في ازدياد السلوك العنيف والقتل والاعتداءات الخطيرة في العديد من المجتمعات".
حسن الاستخدام
ويشير عبد الحميد، في ختام حديثه، إلى الإيجابيات، مع حسن الاستخدام، إذ يقول: "إن البعض القليل المتوفر من هذه الألعاب، تزيد المفاهيم والمعلومات والثقافة العامة، وتنمي الذكاء وتزيد الخيال العلمي والمعرفة بالتقنيات الحديثة وكيفية التعامل مع المشكلات التقنية بشكل سريع. رغم إنني لا أشجع كثيرا الانغماس في الألعاب الإلكترونية؛ لأن مضارها الفعلية والواقعية أكبر بكثير من منافعها".
رأيٌ قانوني
ويذكر سرود محمود (مسؤول الإعلام والتوعية في مفوضية حقوق الإنسان فرع كركوك) الجانب القانوني، في هذا الصدد، قائلا: "إن قانون العقوبات العراقي، لا يشير في مواده وبنوده بصورة صريحة إلى الألعاب الإلكترونية. لكن بما إنها حالة تدخل في مجال الأعمال الإجرامية، ووسيلة جديدة للابتزاز خصوصا الأطفال والشباب، وينتج عنها ضحية من مختلف الأعمار مما يؤدي إلى زيادة في معدلات الإجرام؛ فهي لا تخضع للرقابة من الشركات المنتجة ولا من ذوي الضحايا. وقانون العقوبات العراقي لم يجرم هذه الألعاب؛ لكن المادة 456 فيها إشارة إلى الابتزار بكل صوره، وكذلك المادة 430 التي تعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات، أو بالحبس كل من هدد آخر بارتكاب جناية ضد نفسه، أو ماله، أو ضد نفس، أو مال غيره، أو بإسناد أمور مخدشة بالشرف أو إفشائها وكان ذلك مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر، أو الامتناع عن فعل أو مقصود به ذلك".
عزلة وانطواء
يعدها من أكبر المشكلات التي تواجه العائلة في العقدين الأخيرين، وإنها تجعل الطفل يميل إلى العزلة الاجتماعية والانطواء على نفسه، مما يؤثر سلبا على نموه الفكري والشخصي والاجتماعي. ويضيف د. لؤي التوفيق (دكتوراه أدب إنگليزي)، عن الألعاب الالكترونية، بقوله: "إنها تستحوذ على مخيلة الطفل؛ فبدلا من مطالعته لكتاب ما، أو تنمية مهارة، أو هواية، أو جلوسه مع العائلة؛ يذهب لممارسة الألعاب، وبذلك يفضل اللعب على الحديث مع العائلة، وهذا بلا شك واحد من أسباب التفكك الأسري والاجتماعي التي تعاني منه المجتمعات إن كانت إسلامية أو غيرها. بالرغم من أن هنالك أنواعا من الألعاب المصممة لأغراض متنوعة، يمكن أن يكون بعضها مسليا ومريحا، بينما قد يكون البعض الآخر صعبا وجيدا للتعلم ونمو الدماغ، ومع ذلك، ليست كلها جيدة للأطفال ويمكن أن تكون آثارها سلبية، خاصة عند استخدامها لساعات طويلة؟ وعليه فهم معرضون لمشكلات صحية وتعليمية، إضافة إلى ضعف في الاستيعاب وقلة في التركيز، وكذلك العزلة، فضلا عن غرس أفكار وقيم خاطئة؛ كالعنف المفرط، والألفاظ البذيئة، والسلوك العدواني".
نظام إدارة الوقت
يقول الخبير في التنمية والمهارات الحياتية، د. صلاح الحمداني: "مع تطور ثورة التقنيات وتطبيقاتها الهائلة في مختلف نواحي الحياة، وبتأثير أصحاب سلطة المال من الرأسمالية الوطنية والعالمية؛ تم توجيه دفة هذا العملاق الهائل باتجاه نظام إدارة الوقت والذي يعتبر الحد الفاصل بين المجتمعات المتحضرة، والمجتمعات المتخلفة، وتحديدا فئات الصبيان والشباب التي تشكل أكثر الأعداد البشرية وأكبر مؤثر على حركة سوق العمل ومجتمعات الدراسة والبناء المجتمعي والحضاري؛ كون عامل الوقت هو المحرك الأساسي لتنظيم مهمات الحياة بأدق تفاصيلها ضمن اليوم الواحد (24 ساعة كاملة)، وفي حالة خلق ونشر وسائل تستنفد أغلب وقت اليوم الواحد لإرضاء غريزة المتعة إيجابا أو سلبا يتم تحقيق الغاية الأساسية في أبعاد العدد الأكبر من اتجاهات العمل المنتج والبناء، وتحويله إلى اللهو غير المجدي وتراكم الأمراض والعقد النفسية والعقلية، وكل ما يؤثر في بناء الشخصية الآدمية الكريمة المحبة للعمل والخير والرحمة والرافضة للكسل والباطل والشذوذ. لذلك اختلفت وسائل الترفيه الحديثة عن سابقتها وبدأت الشركات والمؤسسات تتسابق لجذب أكبر عدد ممكن من الأطفال والمراهقين، بل والكبار أيضا لوسائلها الترفيهية المغرية والمختلفة، وأبرز تلك الوسائل الترفيهية هي الألعاب الإلكترونية؛ والتي هي سلاح ذو حدين على بناء الإنسان والمجتمعات وفق بيئة وطبيعة الاستخدام".
هواياتٌ غير منطقية
ويعطي الحمداني، حلا للمدمنين على ممارسة الألعاب الإلكترونية، إذ يقول: "إن علاجهم ليس بأخذ الحقن والأدوية، فهي لا تدخل في الجهاز العصبي، ولا في الهرمونات، والتي تستوجب التدرج لتعويض المادة التي تنقصه في المخ. فهذا النوع من الإدمان نمنعه مرة واحدة ونعطيه بدائل من هوايات تكون ممتعة وغير منطقية. أي لا نجعله يمارس هواية فيها منطق؛ كالشطرنج، أو التركيب، أو الكلمات المتقاطعة. فهذه لا تحل مشكلة إدمانه؛ لأنها تزيد من التوتر والقلق؛ بل نجعله يمارس هوايات غير منطقية وملائمة لعلاجه، وفيها انطلاق وتلقائية، مثل: الكرة، المشي، الركض، الفروسية، السباحة، الرسم، التلوين، الاهتمام بالزرع، والحيوانات الأليفة، وتربية الطيور".