مجازر وأرقام

قضايا عربية ودولية 2023/11/12
...


علي حسن الفواز


كشفت لغة الأرقام عن هول المجازر التي تُرتَكب في قطاع غزة، فاستمرار العدوان الصهيوني في استخدام الأسلحة المُحرمة دوليا، وقصف المناطق المدنية والسكنية والمؤسسات الخدماتية، يؤشّر النزوع العدواني والانتهاكات العنصرية والأخلاقية لهذا العدوان، التي تُعد خرقا فاضحا لحقوق الإنسان، ولقواعد الاشتباك، وهو ما يجعلها تدخل في سياق توصيفات جرائم الحرب، وأن الشهداء والجرحى الذين يقعون جرّاءها هم من ضحايا هذه الجرائم التي يُحاكِم عليها القانون الدولي.

تصريحات المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، والمنظمات الدولية، فضحت عبر تلك اللغة "بيانات الجريمة" وخطورة تمادي الصهاينة في ارتكاب المزيد من المجازر، فأرقام الشهداء تجاوزت حدود 9770، منهم 4008 من الأطفال، و 2509 من النساء، وبحدود 25 صحفيا، وأكثر من 175 ضحية من الطواقم الطبية، فضلا عن أكثر من 26000 جريح، مع تدمير أكثر من 30 سيارة إسعاف، وهذا ما يجعل المجازر الصهيونية تفوق في توصيفاتها ما تخضع له جرائم الحروب، لاسيما مع الاستمرار في ممارسة العنف الفائق في ضرره المادي، وفي ضرره اللوجستي والرمزي، حيث تم ضرب المستشفيات والقطاعات الخدمية وسيارات الإسعاف، وكذلك التعمّد في قطع الاتصالات عن كل القطاع، وهو ما يعني التعتيم على تلك الجرائم، وتحويل غزة إلى سجن ساخن أو محرقة تتجاوز في رعبها ما أوهمتنا به الذاكرة الصهيونية عما يسمى بـ"الهولوكوست".

سياسة التصفية، وقصف الأبراج والبيوت، باتت جنونا ممنهجا للعدوان الصهيوني، إذ تحولت معها مدينة غزة إلى مدينة أشباح، فمع صمود أهلها ورفضهم التهجير، إلّا حركة النزوح داخل القطاع، التي فاقت التصور، وبأعداد تجاوزت الـ"650 ألفا" وهي أرقام تفرض على المنظمات الدولية الطبية والخدماتية والقانونية والإنسانية تحليلا دقيقا، وموقفا يرفض استمرا ما يجري، وأحسب أن ما قاله بابا الفاتيكان يكشف عن حجم الإحباط الذي يعانيه الحبر الأعظم وعجزه عن إيقاف هذه المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية، فقوله "أناشدكم باسم الله أن تتوقّفوا وتعلنوا وقف إطلاق النار". هو موقف صادم، لأن هذه الدعوة تعني رفضا لكل المسوغات التي يطرحها الكيان الصهيوني، عن الصراع وعن مفاهيم "العدو" والإرهاب وغيرها من المفردات التي يمارسها واقعيا، لكنه يسعى من خلالها لتضليل العالم والرأي العام.