أحمد عبد الحسين
ماذا يمكن أن يقدّم القادة العرب والمسلمون لفلسطين وهي على صليبها؟
لا شيء تقريباً. لأنّ الموقف القويّ لا بدّ من أنْ تقف خلفه ذخيرة قويّة من المنعة السياسية والاقتصادية والتماسك المجتمعيّ والحضور الدبلوماسيّ، وهذه كلها موارد مفقودة عند أغلب الدول التي اجتمعت أمس في الرياض نصرة لفلسطين التي لا ناصر لها إلا الضعفاء.
في تاريخ الأنظمة العربية كانت فلسطين وقضيتها تُستَعمل من قبل الحكّام مصدراً لإلهاء الشعوب عن مشاكل بنيوية عميقة تضرب الدولة في الصميم، فكان كلّ شيء مؤجلاً بانتظار حسم "القضية الكبرى"، فكانت المحصلة خراباً وفقراً وجهلاً هي حصة الشعوب من حكامها، وخطباً حماسية وأناشيد وشعارات هي حصة فلسطين.
وأمس اجتمع قادة العرب والمسلمين في الرياض لبلورة موقف موحّد تجاه القضية الفلسطينية، وهي تدخل برزخاً مخيفاً يتمثل في الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل بمساعدةٍ وتحريضٍ ودعمٍ أميركيّ. وكالعادة، كان فنّ الخطابة هو المنتصر في القاعة الفارهة التي ضمّتْ زعماء كانت معضلات بلدانهم كبيرة ومركّبة بحيث لا تسعفهم في إنشاء موقف قويّ يليق بأمّة تشكل ربع كوكب الأرض.
ولحسن الحظ فإنّ الفلسطينيين، وأعني على وجه التحديد الفصائل الفلسطينية، تخلصتْ من أوهام الماضي فلم تعدْ بانتظار موقفٍ يستحق الاحترام من أشقائهم، عربهم ومسلميهم، وبيانات الفلسطينيين المقاومين كانت واضحة في عدم التعويل على مواقف هؤلاء الحكام، وبعضها كان مليئاً بالسخرية منهم ومن هزال مواقفهم. بل إن الشعوب العربية نفسها تخلصتْ من هذا الوهم، فهي تعرف ما ستتضمنه خطب القادة قبل انعقاد القمم.
في المواقف الحقيقية التي تصنع فارقاً فإن فلسطين متروكة لوحدها، على صليبها وهي تدفع عن نفسها الموت ببسالة وتشيّع أطفالها بحزن نبيل.
المطبّعون لن يوقفوا التطبيع، والواقفون بانتظار التطبيع لن يتركوا الطابور، والسفارات لن تغلق، والعلاقات لن تقطع، لكنّ خطباً كثيرة ستقال لإكمال مسيرة البلاغة السياسية العربية التي لم تقتل ذبابة.
قادة ربع الأرض؟ قادة الربع الخالي.