رضا المحمداوي
مع الأوَّل من شهر تشرين الثاني الحالي بدأَت الحملة الانتخابية للأحزاب والقوى والكيانات السياسية (الفردية والمتحالفة) المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، ومن المُقرر أن تستمر هذه الحملة لمدة 45 يوماً تنتهي مع بداية يوم الانتخابات في 18 من الشهر المقبل، وتزامناً مع هذه الحملة الانتخابية وبتوقيت سياسي محسوب سلفاً في روزنامة الطبقة الحاكمة، بدأ البرلمان العراقي عطلتهُ التشريعية التي تمتد لمدة شهرين حتى بداية العام المقبل 2024، إذ سيتفرّغ رؤساء الكتل والأحزاب الكبيرة وممثلوهم من الأعضاء في البرلمان للإشراف ومتابعة تفاصيل وحيثيات الحملات الانتخابية لذلك السباق الانتخابي في محافظاتهم والوقوف على نتائجها ومخرجاتها أولاً بأوَّل.
والجانب المهم أن هذه الانتخابات المحلية (وعلى نحو خاص في محافظات الوسط والجنوب) ستجري وسط مقاطعة التيار الصدري لها، وهو الكتلة النيابية الأكبر في نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرتْ في العام 2021 بحصوله على 73 مقعداً لكنَّ السيد مقتدى الصدر ورغم هذا الفوز الكاسح أعلن انسحابه من العملية السياسية بعد اصطدام مشروعه الإصلاحي بمعارضة سياسية كبيرة من قبل فرقاء المُكوِّن الشيعي نفسه الذي أسَّس لما باتَ يعرف بـ (الإطار التنسيقي)، وهذه المقاطعة (الصدرية) لانتخابات مجالس المحافظات التي بدأتْ حملتها الانتخابية لمْ تكن الوحيدة فقد سبقها الحزب الشيوعي رغم محدوديَّة حضوره الجماهيري وهامشيَّة حضوره النيابي وتأثيره السياسي، وانضمّت العديد من الأحزاب الناشئة والحركات التشرينية الشبابية والأحزاب والشخصيات المستقلة لهذه المقاطعة.
وبهذه المقاطعة وعدم الرغبة في المشاركة في تأسيس وتكوين الحكومات المحلية فإنَّ تلك الأحزاب والقوى السياسية الممانعة قد تركت الأبواب والنوافد مُشرعةً على مصاريعها لأحزاب السلطة القابضة على دفة الحكم ولا سيِّما لقوى المُكوِّن الشيعي الذي يُمثّلهُ (الاطار التنسيقي) برؤوسه الكبيرة مثل هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي وحيدر العبادي وعمار الحكيم وغيرهم ممّنْ يُمثّل الأحزاب والحركات الشيعية التي اشتركتْ مع أحزاب وقوى المُكوّن السني والمُكوّن الكردي في تشكيل ما يُعرف بـ (ائتلاف إدارة الدولة) الذي أنجبَ حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 27 / 10 / 2022...
وهذا يعني بالمحصلة النهائية إعادة انتاج هذه الزعامات والأحزاب الكبيرة لنفسها وكذلك انتاج حكومات محلية هي عبارة عن حكومات مصغرة أو نسخة مماثلة لحجمها وتواجدها وثقلها في البرلمان.
- والسؤال المطروح الآن: كيف يمكن إحداث (التغيير) و(الإصلاح) المنشود لإصلاح ما أفسدتْهُ الديمقراطية العراقية الهجينة وأحزابها الحاكمة طوال العشرين عاماً المنصرمة؟.
وكيف يمكن إشاعة التفاؤل وتحقيق الموازنة الصعبة بين كفتي ميزان الربح/ الخسارة غير المتوازنة على جميع الأصعدة والجوانب والمناحي في تلك المحافظات ومواطنيها؟.
وهل ستنجح تلك الأصابع المغمسة بالحبر البنفسجي أن تُحسّن من نوعية ومستوى المعيشة لأفراد ومجتمعات تلك المحافظات والمدن والأقضية والقرى؟، أمْ يبقى الواقع على ما هو عليه أن لمْ ينحدرْ نحو الأسوأ مع زيادة حالات الفساد الإداري والمالي؟.
فقد أثبتت التجربة صدقيَّة الشق الثاني من السؤال الأخير بدلالة التقارير والتحقيقات والنتائج التي أعلنتْ عنها هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وغيرهما من الجهات الرسميَّة عن استشراء وتفشي عمليات الاختلاس والسرقة والهدر واستغلال السلطة والنفوذ والمنصب وسوء التصرّف في المال العام، فعلى سبيل المثال -لا الحصر- أن بلدية الكوفة/ في محافظة النجف شهدتْ عملية فساد بمبلغ يصل إلى 8 مليارات دينار، في حين أعلن مؤخراً عن فساد بأكثر من 50 مليار في ثلاثة مشاريع فقط في محافظة المثنى (السماوة)التي تُعدُّ من أكثر محافظات العراق فقراً؟!!.
الأحزاب التي زاد عددها على 300 حزب والتي ستخوض غمار تلك الانتخابات بقوائمها وأسماء مرشحيها المتزايد ليستْ لديها برامج سياسية واضحة ومحددة ولا يمكنها أن تقدم الوعود لمواطن تلك المحافظات بتحقيق مطالبه واحتياجاته البسيطة حيث لا تنفع الوعود والكلمات المعسولة في إقناع ذلك المواطن المغلوب على أمره كي يضع ثقته بتلك الأحزاب المتكاثرة، كما أن المواطن نفسه ليس لديه ايَّة قناعة حقيقية بأن تلك الأحزاب، ومَنْ يقف وراءها، تسعى من أجل خدمته التي هي الهدف المركزي والأساسي الذي من أجلهِ أُقيمتْ وأسّستْ تلك الحكومات
المحليَّة.