أيُّها العرب لا تكسروا السيف الأخير

آراء 2023/11/13
...

 الشيخ أحمد ابو ريشة

تتحدث المصادر التاريخيّة الموثقة عن اللقاء الذي جمع بين الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - والرئيس الفرنسي شارل ديغول، إذ بدأ ديغول قائلا: «يقول الناس يا جلالة الملك إنكم تنوون رمي إسرائيل في البحر، ولا يمكن أن نقبل بهذا الأمر بعد أن أصبحت أمراً واقعاً»، فكانت إجابة الملك فيصل: «أستغرب منك ما قلته يا فخامة الرئيس، هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، فلمْ ترضخ للأمر الواقع، ولا الشعب الفرنسي رضخ، وأنا أستغرب منكم أن تطلب مني الرضوخ للأمر الواقع، ومن ثمَّ فلا يمكن للاحتلال أن يصبح أمراً واقعاً».
وانطلاقاً من هذا المفهوم فإنّ محاولة شيطنة المقاومة الفلسطينيّة التي تمارسها بعض الدول والجهات الإعلاميّة والشخصيات السياسيّة جريمة تاريخيّة قد تكون بمثابة ضربة أقسى من أطنان المتفجرات التي تلقيها إسرائيل يوميّاً على أرض فلسطين المحتلة، بعد أن امتدَّ نضال الشعب الفلسطيني منذ مطلع القرن العشرين بعد وعد بلفور المشؤوم، إذ واجه الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي وسياسات الاستيطان والتهجير، وشهدت فلسطين مظاهر متعددة للمقاومة خلال هذه العقود، بما في ذلك الانتفاضات الفلسطينية التي استمرت لفترات طويلة، مثل الانتفاضة الأولى (1987 - 1993) والانتفاضة الثانية (2000 - 2005).
واذا ما أعدنا قراءة التاريخ فإنّنا نلحظ أحداثا مختلفة بهذا السياق تتعلق بنضال الشعوب من أجل الحرية والاستقلال كمقاومة الهنود الحمر في أمريكا الشمالية لعدة قرون (من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر)، ومقاومة الشعوب الأفريقية ضد الاستعمار الأوروبي في القارة الأفريقية لعقود (من القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين)، والثورة المصريَّة في عام 1952 وثورات الاستقلال في الجزائر وتونس والعراق التي بدأت في الخمسينيات واستمرت حتى الستينيات والسبعينيات، والنضال الهندي من أجل الاستقلال والذي قاده المهاتما غاندي والذي استمر لعقود، حتى تتوجت أخيرًا إلى استقلال الهند في عام 1947، حتى الشعب الأمريكي لم يكن بعيدًا عن قصة النضال من أجل حقوق المدنيّة حيث خاضت الحركة الأمريكية من أجل حقوق المدنيّة معركة طويلة حيث قادت شخصيات مثل مارتن لوثر كينغ جهودًا طويلة لتحقيق المساواة
والعدالة.
يحاول البعض تغيير مسار المنطق من خلال محاولة إقناع الجمهور بمغالطة تخلو من أدنى درجات العقلانية والمروءة والصدق، من خلال تسويق فكرة التسبب بالخراب ونسبتها إلى المقاومة الفلسطينية التي تقاتل اليوم بالنيابة عن الامة والإنسانية كلها، ويجري هذا التسويق والترويج في سياق تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عما أصاب الفلسطينيين من انتهاكات وجرائم وسقوط آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى المدنيين، غير أن هذا المنطق لا دليل على صدقيته بحسبة بسيطة عبر استعراض الأحداث التاريخية التي شهدتها فلسطين خلال العقود الماضية، ‏حيث يؤكد التسلسل الزمني لجرائم الاحتلال التي حدثت قبل انطلاق الانتفاضة الفلسطينية كذب هذا المنطق الزائف فقد ارتكب الاحتلال مجزرة في حيفا عام 1937 ومجزرة في القدس عام 1937 ومجزرة أخرى في حيفا عام  1938، ومجزرة في بلد الشيخ عام 1939، ومجزرة أخرى في حيفا عام وأخرى في 1947، ومجزرة في العباسية عام 1947، ومجزرة في الخصاص عام 1947، ومجزرة في باب العمود عام 1947، ومجزرة في القدس 1947، ومجزرة في الشيخ بريك عام 1947، ومجزرة في يافا عام 1948، ومجزرتي خان يونس عام 1956، ومجزرة في القدس عام 1967، ومجزرة في صبرا وشتيلا
عام 1982.
في الوقت الذي تم إعلان تأسيس حركة حماس 1987 فكيف تسببت المقاومة الفلسطينية بجرائم الاحتلال إذا لم تكن بالأصل قد تأسست، ثم أن هناك مسألة أخرى جديرة بالاهتمام والتركيز وهي أن حماس وأخواتها لم تتورط بأي عملية قتالية أو أمنية خارج حدود فلسطين المحتلة ولم تكن راغبة بفعل ذلك تأكيدًا منها على أنها معنية بشأن تحرير الارض والنضال من أجل القضية وحسب بعيدًا عن كل الحسابات السياسيّة والمصلحيّة.
نصيحتي لكم أيّها العرب أن لا تكسروا آخر السيوف، ومن يقل لكم أن جرائم الاحتلال الاسرائيلي سببها حماس، ضعوا بفمه حجر.