سايكولوجيَّة الردع العقابي الاسرائيلي

آراء 2023/11/13
...

  سعد العبيدي

سلوك الجنود المحاربين في سوح القتال قاس، يحكمه أو يسهم في انتاجه اللحظي كم الانفعال الغاضب في النفوس، ومستوى العدوان في داخلها على الخصم، وخصائص الشخصية ومقدار تطرفها
 وبتكرار الحروب واتساع رقعة الخسائر في صفوف المدنيين، سعت الأمم إلى ضبط السلوك القتالي لجنود الميدان، ووضعت قوانين تحمي المدنيين، والأطفال وتحول من دون التخريب العمدي للمنشآت العامة، وتجنّب قصف المستشفيات ودور العبادة والمدارس، وأمور أخرى، صارت أعرافاً وقواعد اشتباك يلتزم بها الجنود المقاتلون، ويحاسب عليها القانون، وشاهدنا في أدبيات الحروب بعض قصص لمحاكمة جنود وضباط تجاوزوا على محددات القانون.
لكن العالم الذي وضع تلك القوانين وشرعها أمميَّاً، كأنّه استثنى إسرائيل من تطبيقاتها، أو أنَّ الاسرائيليين بتجبرهم قد استثنوا أنفسهم من التطبيق في جميع حروبهم على الفلسطينيين، إذ تمادوا في حربهم الأخيرة على غزة كثيراً في استهداف المستشفيات حتى لم ينكروا استهدافها، وتمادوا أيضاً في هدم المساكن على رؤوس ساكنيها، وتسببوا في قتل آلاف المدنيين نصفهم أطفال والنصف الآخر شيوخ ونساء، وتمادوا كذلك في اتباع سياسة التجويع، بمنع الماء والغذاء، والوقود، في توجه عمدي لمعاقبة كل السكان
 الغزيين.
إنّه سلوك عقابي جماعي سوف لن ينفع إسرائيل في تكوين الردع المستقبلي الذي تعتقده لازما لحماية أمنها، لأن التمادي في الوحشية، سيبقي الغضب في نفوس الأطفال الفلسطينيين الباقين على قيد الحياة وسيكبر معهم ويشكل سلوكهم العدائي إلى اليوم الذي يجدونه مناسباً للخروج بالضد من إسرائيل في عمليات لا يمكن أن تتوقف، وبمستوى أعنف من ذاك الذي حصل في السابع من تشرين وأشعل حرباً، فيها الطرفان يريدان تدمير بعضهما من دون الالتزام بأية ضوابط أو قوانين، وسوف لن ينفعها في القضاء على حماس المتهمة بالتطرّف، لأنّ سلوك تطرفها الآن سيخلق تطرفاً في الجانب الفلسطيني المقابل لها، أشد منه يدفع الشباب المصابين به إلى إنشاء منظمات يختلف فيها الاسم ويبقى في نفوس أصحابها التطرف سلوكاً هو السائد.