علي حمود الحسن
شاهدت قبل أيام فيلم " فيرمونت" (2023) للمخرج الأميركي الإيراني الأصل باباك جلالي (1978) الذي ينتمي للسينما المستقلة، التي هي: " أفلام يتم تصويرها في ستوديوهات غير خاضعة لشركات الإنتاج الكبرى، يقودها مخرج حر في التعبير عن أفكاره، وغالبا ما تكون ميزانيتها محدودة وإنتاجها مقتصدا"، وهذا بالضبط ينطبق على " فيرمونت" الذي يحكي قصة اللاجئة الافغانية (دنيا)، التي تعاني اغترابًا وصدمةً ما بعد اللجوء، اذ غادرت بلدها إلى اميركا، كونها تعمل مترجمة في الجيش الأميركي، فسكنت مجمعا يسكنه أبناء جلدتها في مدينة فيرمونت، واختارت العمل في مصنع يدوي صيني صغير للحلويات، تعاني أرقًا واكتئابًا ووحدة، لديها صديقة حميمة، لكن زوجها ينفر منها، فهي من وجهة نظره خائنة، تتواصل مع طبيب نفساني، وتسحره بعيونها، وملامح وجهها الغامضة وإيماءتها، فضلا عن اجاباتها الساحرة، لم تنفع معها العقارات وتزداد عزلتها وغربتها وكوابيسها، رغم ذلك تمارس روتين حياتها الكئيب من البيت إلى المصنع، يقترح عليها مدير المصنع أن تكتب ورقة الحظ التي تغلف قطع الحلوى، فتنجح في ذلك ايما نجاح، والمفارقة أن طبيبها يغرم بما تكتبه في أغلفة الحلوى، وفي لحظة تشبث بالحياة تكتب اسمها وعنوانها على غلاف إحدى قطع الحلوى، علّها تحظى بشريك يؤنس وحدتها التي لا تطاق، فيأتي الرد وتحصل على أول موعد غرامي .. في طريقها إلى الموعد، تلتقي بميكانيكي يعاملها بلطف ومودة ويدعوها إلى تناول القهوة، يبدو هو الآخر وحيدا، ينسجمان، تودعه وتذهب إلى موعدها، تسأل عن "غزال" وهو اسم الشخص الذي دعاها، تتفاجأ بأن صاحب المطعم يقدم لها تمثالا لغزال، تحبط لكنها تتذكر الميكانيكي اللطيف وتسافر إليه وتهديه الغزال.. ينتهي الفيلم بإشارة أنها وجدت بوصلتها وأن حياتها يجب أن تستمر.
اعتمد الفيلم الذي أسهم باباك في كتابته مع المخرجة وكاتبة السيناريو كارولينا كافالي، سردًا خطيًّا بسيطًا رتيبًا بل وكابيا، اذ يتابع يوميات (دنيا) الرتيبة وحركتها في غرفتها الصغيرة بسريرها الذي لا يتسع لشريك، وأرقها الليلي الذي لا ينتهي، ثم ذهابها صباحا إلى المصنع الصغير، اذ ليس هنالك غير سيدتين تعملان برتابة، ومدير المصنع الذي تستهويه دنيا فيحابيها، ما أثار غيرة زوجته التي سببت مشكللا لدنيا، كذلك ذهابها اليومي إلى مطعم يديره رجل صيني يشاهدان معا المسلسلات، فضلا عن خط آخر، عن ذهابها إلى الطبيب النفسي، الذي يبدو هو الاخر بحاجة إلى جلسات علاج، اذ يعمد إلى قراءة كتاب " الناب الأبيض "لجاك لندن المغرم به، كجزء من علاج دنيا، ما أضفى مرحًا وكوميديًّا، خففت من وطأة الفيلم، الذي صور الأسود والأبيض، وبنسبة جعلت الكادر يبدو ضيقا وضاغطا في آن واحد، ليتماشى مع نظرة دنيا المأزومة.