علي رياح
اللحظات التي ذهب فيها الحكم الدولي مهند قاسم إلى (الفـار) ثم عاد ليشهر البطاقة الحمراء في وجه لاعب الشرطة فهد اليوسف، كانت مثل العلامة الفارقة، استأثرت بكثير من الاهتمام على الصعيدين الجماهيري والإعلامي، واستغرقت وقتاً مُعتبراً في الحديث عنها، ويمكن القول إنها استحوذت على المشهد التحكيمي في فاصلة زمنية امتدت ليومين أو ثلاثة من الأسبوع الماضي.. والسر – في تقديري – لا يكمن في صحة القرار الذي اتخذه مهند قاسم بعد العودة إلى التقنية المبتكرة، ولكن للأسلوب المُتحضّر الذي أظهره اللاعب السوري في تقبّل القرار، وامتثاله للقناعة التي توصّلَ إليها الحكم، وخروجه من الميدان ليجد في انتظاره ردود الأفعال الإيجابية التي أشادت بروحه العالية حتى من أولئك الذين اعترضوا على الطريقة التي ارتكب فيها الخطأ الفادح الذي دفعَ لاعبون كثيرون في العراق وفي العالم ثمنه غالياً.
يستأثر مشهد امتثال اللاعب لقرار الحكم بالقبول والاستحسان، لأنه مشهد (نـادر) في كثير من مبارياتنا. وخلال هذا الموسم الكروي في الأقل لم أجد لاعباً تقبّل قراراً قاسياً – ولكنه صحيح – للحكم من دون أن يشعل الأجواء من حوله، ومن دون أن تشتعل دكة البدلاء ويخرج الطاقم التدريبي عن طوره ليُظهر أشد عبارات الاعتراض قوة وربما قساوة.
المألوف لدينا أن قراراً على جانب كبير من التأثير مثل طرد اللاعب، يثير الجمهور على المدرجات، وتذهب الاجتهادات في اتجاهات نقدية شتى، خصوصاً إذا كان اللاعب طرفاً مهماً في فريق جماهيري له مناصروه الذين يؤازرونه في الأوقات الصعبة، لكن الطريقة التي تعامل بها فهد اليوسف نزعت الفتيل، وهذه نقطة كان يجب أن أعود إليها لكي أثني عليها وأطالب الجميع بالنظر إليها مجدداً من دون أن تأخذ أحدنا العزة بالخطأ فينثر اتهاماته وتحريضاته هنا وهناك، والنتيجة أن الجو سيخرج عن طور الهدوء ليكون مشحوناً ويترك تأثيره في مجريات المباراة وتحولاتها.
مؤكد أننا في عهد الفار في حاجة إلى تفهّم القرار الذي يتخذه الحكم. بالطبع لا يمكن القول إننا ودعنا عهود الأخطاء التحكيمية الفادحة بعد أن دخلنا مرحلة المساعد التحكيمي الفيديوي، فبعض الأخطاء ما زالت تـُرتكب وما زالت موضع جدل المحللين والمقيّمين داخل الملعب وعلى شاشة التلفزيون، لكن الحقيقة الثابتة أن قرار الحكم غير قابل للاستئناف لدى اكتسابه الدرجة القطعية، وهذه هي الحلقة المفقودة التي ما زلنا نبحث عنها ما دمنا ـ حكاماً وجمهوراً ونقاداً - حديثي العهد بالفار.
تتبقـّى لديّ أمنية أُعيد التذكير بها دوماً في ظل هوجة اعتراض اللاعبين بحق وبغير وجه حق على الحكم.. أرجو أن أتمكـن، ولو بعد عمر طويل، من العثور على لاعـب واحـد من أقصى العـراق إلى أقصاه، يمتثل لقرار الحكم ولا يعترض حين تـُحـتسب ركلة جزاء صحيحة أو ركلة زاوية صريحة للفريق الغريم، أو ركلة حرة عليه لخطأ واضح ارتكب.
أنتم مدعوون لمساعدتي في العثور على هذا اللاعب.. لاعب واحد لا أكثر.. وسأكون لكم من الشاكـرين.. ومن باب الهزل، أظـن أنه قد حانت اللحظة التي يطلق فيها اتحاد الكرة العراقي جائزة (الـلاعـب الـذي لم يعـتـرض!).