الطبقة الوسطى في العراق.. معالم هجينة وعجزٌ عن التغير

آراء 2023/11/14
...

 علي فائز 

  لا أحد يمكنه أن ينكر دور الطبقة الوسطى في الدولة العراقية، لاسيما في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إذ قامت هذه الطبقة بعمليات إصلاحية وتحديثه، وشكلت قاعدة رصينة للأحزاب وتنشيط منظمات المجتمع المدني، وترسيخ الدفاع عن حقوق الإنسان وهي صاحبة الدور الكبير في الدفع بعجلة الإصلاح والتغيير. وبناءً على ما سبق، فإنه من المتعسر القيام بدور تغييري إصلاحي، في ظل تلاشي وغياب دور الطبقة الوسطى، كما في العراق بعد 2003؛ أن التغيير السياسي والاجتماعي لا يحدث من تلقاء نفسه، بل يتأثر من خلال عمل المجتمع

 فعلى سبيل المثال ان المتغير الاقتصادي، له الأثر في انشاء الطبقة الوسطى كونها الأكثر نهوضًا واستعدادًا لعملية التغيير الاجتماعي، ومن الواضح ان الطبقة الوسطى بعد 2003 فإنها وإن كانت هجينة وغير فاعلة فإنها غير منفصلة من رحم الدولة المالكة. وهذه مرده إلى طبيعة الاقتصادي (الريعي) فإن هذه السمة، جعلت الأحزاب والقوى السياسية تتعامل بطريقة زبائنية مع هذه الطبقة، من خلال توفير الوظائف لهم مقابل الحصول على الولاء الحزبي، فالحكومات التي تعتمد مواردها على النفط غالبًا ما تجنح إلى الاستبداد وشخصنة السلطة، وتستحوذ على مختلف الطبقات وتهمش دورها وتصنع لنا زبائن لا مواطنين لا يهتمون بالشأن السياسي بقدر اهتمامهم بالتأمين على وضعهم الاقتصادي، من خلال القرب من السلطة.

 وهكذا نجد أن النظام السياسي في العراق بعد 2003، والقائم على المناطقية والطائفية، واتباع الية المحاصصة والسوق (المغتربة) قد عرض الطبقة الوسطى إلى الانقسام والتشظي وصولًا إلى غياب دورها بالمطلق؛ وذلك يرجع إلى غياب البيئة الملائمة لنمو هذه الطبقة وازدهارها، فضلًا عن ارث الاستبداد ودوره في تهميشها إذ جعلها ملحقة به بشكلٍ كامل.

إنَّ الطبقة الوسطى التي تشكل اليوم قرابة 60% من المجتمع العراقي هي أنموذج هش لنظام المحاصصة السياسية والانقسام الاثني والطائفي المتعايش على ريوع النفط. وبناء على ذلك فالدولة الكبيرة (الدولة – المكونات)، أصبحت تتوافق مع سوق ليبرالية استهلاكية مناطقية تتحد مع سوق العولمة وتغترب معها. 

وإن هكذا نمطا اقتصاديا سياسيا، يولد طبقة وسطى مغتربة داخليًا منقسمة قابلة للانكسار تتطلع إلى الهجّرة خارج الوطن. 

 ولكون هذه الطبقة ذات ميول احتجاجية؛ لقدرتها على التعبئة والتحشيد، والدعم والتوجيه، ومن ثم تقديم الاطار الفكري للجماهير من أجل التغيير، فإنها كانت تتعرض للتهميش والاقصاء من قبل الأنظمة السياسية المتعاقبة، في الاستدراج والاحتواء وكسب الولاء بالشكل الذي أدى إلى عجزها عن القيام باي دور اجتماعي وسياسي، الأمر، الذي دفع أبناء هذه الطبقة إلى الهجرة إلى الخارج، ومن بقي منهم فانه التزم الصمت توجسًا وخوفًا. 

 فضلًا عن ذلك، فإنه نتيجة للفساد المستشري في جسد الدولة العراقية، فإن ثمة من انتسب إلى هذه الطبقة نتيجة للسرقات واستغلال المال السياسي، دون مقومات فكرية واجتماعيَّة وعائليَّة، الأمر الذي جعل الطبقة الوسطى العراقية تتسم بكونها هجينة المعالم، وفاقدة للقدرة على التأثير والتغير المجتمعي.

 بالإضافة لما تقدم فقد “توزعت الشبكات الزبائنية على مختلف القطاعات في العراق، فهناك شبكات سياسية وشبكات زبائن اقتصادية وتجارية وإعلامية وأكاديمية، وحتى دينية، يعمل فيها الكثير من المستفيدين من أعلى السلم السياسي إلى أدنى السُلم الاجتماعي، هكذا تكونت (أوليغارشية) تمركزت في بنية السلطة السياسية، تمظهرت بأشكال قرابية عائلية أو حزبية مكوناتيه تتمثل في اللجان الاقتصادية للأحزاب، اعتمدت الاستيلاء على موارد الدولة من خلال شبكاتها 

الزبائنية.

وعلى ضوء ما سبق لم يكن دور هذه الطبقة فاعلًا في الاحتجاجات التي شهدها العراق، بالشكل الذي، يؤدي إلى بناء الدولة المدنية، والأنموذج الديمقراطي المنشود، فقد ظل دور أبناء هذه الطبقة مهمشًا لم يشهد له بالقوة والتأثير، الذي يمكنها من فرض رؤيتها، ورضيت بالواقع السياسي الذي خير أبناءها بين الهجرة إلى الخارج أو الصمت، أو قبولها في موقع الملحق السياسي؛ لذلك غاب دور هذه الطبقة في قيادة وتنظيم الاحتجاج، ولعل هذا الغياب من أبرز العوامل التي حالت دون تحقيق أثر بنيوي في النظام السياسي.