إسرائيل.. من الغموض إلى الإحراج النووي

آراء 2023/11/14
...








 سناء الوادي 


في سطورٍ خاطفة سأتعمق في صميم العقيدة الإسرائيليَّة المتمثلة جوهرياً في حماية حرمة البيت الإسرائيلي، الذي يجب ألّا يمس وألّا يهدد، ففي ذلك نهاية وشيكة للكيان الصهيوني الذي زُرع في الجسد العربي عنوة، فمنذ الإعلان عن قيام دولة الاحتلال في فلسطين لم يكتفِ الصهاينة بالتسلح التقليدي الموائم لعقيدتهم تلك، لكن شرعوا في العمل على امتلاك السلاح النووي ليتحقق لهم التفوق العسكري على دول الإقليم، لحماية دولتهم المعتدية الصغيرة بتعداد سكاني يقرب من المليونين أمام الدول العربية، التي تجاوز المئة مليون آنذاك، والتي كانت تتوقع تضامنهم واتحادهم في مواجهتها، فلا سبيل لها لتجنب الإبادة المتوقعة إلا بالسعي ملياً نحو تصنيع الرؤوس النووية، وفي الوقت الذي طمأن فيه الصهاينة وزير الخارجية الأمريكي حينها هنري كيسنجر بأن إسرائيل لن تكون أول من يدخل النووي للشرق الأوسط، كانت تقوم بتشييد مفاعل ديمونة في عام 1963م متذرعة بأهميته لتوليد الطاقة الكهربائية، بسبب معاناتها في نقص المياه، صمت الغرب جميعاً بل وباركوا ذلك، لتبدأ بعد ذلك سلسلة التنازلات العربية التي أرست قواعد انقسام الصف العربي وذلك مالم تكن تتوقعه إسرائيل، فبعد نكسة حزيران عام 1967م واحتلال جزء من أراضي سوريا ومصر، تمسكت بعقيدتها التي تركز على التفوق لردع أي تهديد قد يقع عليها، لكن في الحقيقة حدث ما هو غير متوقع بعد سنوات قليلة وفي حرب تشرين 1973م وبتعاون مصري سوري وبدعم عربي بكسر أسطورة السلاح التقليدي الإسرائيلي في المعركة، وتهشيم صورة الجيش الذي لا يقهر، ليبزغ بعدها مباشرة نجم التهديد العراقي في اقتراب تصنيع النووي وهو ما سبب تدمير مفاعل «أوزيراك» عام 1981م، بيد أنه ما حدث عقب اجتياح الكويت والتدخل الأمريكي قد أزاح العقبة الكبرى بوجه إسرائيل ألا وهي العراق. 

في ذلك السياق كانت اللا شفافية والضبابية تلوح في أرجاء تطوير الكيان المحتل لبرنامجه النووي والوصول للعتبة النووية، حتّى أنها رفضت التوقيع على معاهدة حظر نشر النووي رغم ايمانها بتشتيت الصف العربي خاصة بعد البدء بالتحول في مسارات المواجهة واللجوء لمباحثات السلام مع إسرائيل والقيام باتفاقات ثنائية للسلام ناهيك عن توقيع جميع الدول المجاورة لها على تلك المعاهدة. 

هل كان امتلاك إسرائيل للنووي يحقق لها ما كانت تبغيه من الردع لأي تهديد محتمل؟

وقائع الأمور تؤكد عكس ذلك فانتفاضات المقاومة وبزوغ حركات التحرر ذات الإمكانيات المتواضعة والتهديد الإيراني من ناحية الشرق وحرب 2007م في جنوب لبنان يبرهن أن النووي الإسرائيلي، الذي يجزم الجميع بوجوده في إسرائيل بنوعيه التكتيكي والستراتيجي، رغم الغموض الذي يشوبه لم يوقف التهديدات المتتابعة لهذا الكيان الغاصب، فهل سيتحول ذلك السلاح الفتاك من آلية للردع إلى سيف مسلط على رقاب الشعب الفلسطيني ويستخدم فعلياً في أرض المعركة إذا ما تعرض الوجود الإسرائيلي لخطر حقيقي ينبئ بقرب إنهاءه.

هذا وقد ساهمت الانقسامات الداخلية في البيت الإسرائيلي نفسه بمفاقمة هذا الخطر، فصعود التيار اليميني المتطرف ووصوله إلى الحكم والتخبط في اتخاذ القرارات التي ساهمت بخنق الفلسطينيين في الداخل وزيادة المستوطنات والظلم المجحف لفلسطيني الداخل والممارسات اللاإنسانية بحقهم ناهيك عن التملص من فكرة حل الدولتين، امتثالا لاتفاقية السلام مع منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وهذا ما كان طوفان الأقصى النتيجة الحتمية له.

الآن وبعد مرور قرابة الـ 36 يوماً على هذا الطوفان شعر المحتلون بخطر حقيقي وجودي لدولتهم، رغم وقوف الحكومات الغربية الرسمية معهم، بيد ان ذلك لا ينطبق على الشعوب الغربية التي بدأت تتضح أمامها الصورة الدموية لإسرائيل التي أخفتها لسنين، وهذا ما أودى بهم للتخبط في التصريحات المتطرفة تارةً، والتي تصوّر الشعب الأعزل المحاصر بالوحوش البشرية الواجب إبادتهم، وتارةً أخرى بالكلمات الغبية غير المسؤولة، التي يتفوه بها وزراؤهم والتي كان آخرها ما قاله وزير التراث «عميحاي الياهو» بإمكانية استخدام النووي كحل للحسم العسكري في قطاع غزَّة بعد فشل إسرائيل بتحقيق أهدافها من العملية العسكرية على القطاع، وفي ذلك فقد شهد شاهد من أهله باعتراف صريح بامتلاك إسرائيل للقنابل النووية، وهو ما نسف أعواماً من السياسة التي التزم بها القادة الصهاينة على اختلاف أطيافهم من الغموض النووي.

مع ذلك فإنه يستبعد المحللون العسكريون استخدامه فعلياً في قطاع غزَّة، بالرغم من الضرر البالغ الذي لحق بالبيت الإسرائيلي، لأنه سحب منهم وباعترافهم الصريح لامتلاكهم النووي الذريعة الأساسية، التي تتيح لهم اتهام حركة حماس بأنها هي من ألقت القنبلة كما فعلت عند قصف مشفى المعمداني، ناهيك عن أن هذا يعطي الحق الصريح لدول المنطقة، وعلى رأسهم مصر والسعودية وإيران وتركيا بامتلاك النووي لتحقيق التوازن الستراتيجي في المنطقة، وهذا ما سينهي نظرية التفوق الإسرائيلي في الشرق الأوسط، ولربما سيفتح موضوع التلوث البيئي، الذي تتسبب به النفايات النووية الإسرائيليَّة، وذلك حكماً سيضرّ بالعلاقات الستراتيجية مع الحليف الأهم «أمريكا»، ويضع جهودها في مكافحة حظر الأسلحة النووية في مأزق حقيقي.


 كاتبة سورية