الشجعان الحقيقيون

الصفحة الاخيرة 2023/11/14
...

حسن العاني



بعيداً عن دوخة الرأس، والكلام الطويل حول (الخوف)، هل هو غريزة تولد مع الإنسان، أو أنَّه سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه ابن آدم من المحيطين به حتى يصبح مع الزمن غريزة طبيعيَّة، أقول: بعيداً عن كل ذلك احتلت هذه المفردة حياتنا كما لم تحتلها مفردة أخرى، لكون الخوف لا يرتبط بعمرٍ معينٍ، أو شعبٍ محددٍ، أو مجموعة بشر، ولا يقتصر على الإنسان لأنَّه امتدَّ الى عالم الحيوان، وأهم من ذلك، أنَّه من الاتساع على الصعيدين المادي والنفسي الى الحد الذي تصعب الإحاطة به.

من المفيد التذكير سلفاً بأنَّ هذه المفردة وردت في الكتاب الكريم (125) مرة بشتى المعاني والصور اللغوية (أسماء/ أفعال/ مصادر)، وإذا كان الاستعمال القرآني مرتبطاً بخطاب الكتاب الكريم وتوجهاته، فإنَّ دالات الخوف في الحياة لا تحصى ولا تعد، فأسبابُها عند الأطفال مثلاً هي غير أسبابها عند الفتيان أو الكبار، وعند النساء غيرها عند الرجال، وعتد الأغنياء غيرها عند الفقراء.. الخ، ومن هنا يدور الحديث عن الظلام مثلاً، كما يدور عن الخوف من (الامتحان)، سواء كان مدرسياً أو للحصول على وظيفة.. الخ، ولا يخرج عن هذه الدائرة الخوف من ليلة الزواج لدى الطرفين، والكلام يقودنا الى الخوف من قسوة المعلم أو الزوج أو الأب – المجال لا يتسع لتسليط الضوء على كل نوعٍ من أنواع الخوف – وكلما مضينا قُدُماً الى الأمام تتفتحُ أبوابُ الخوف على مصاريعها.. خوفٌ من الكوارث الطبيعيَّة، من السفر، من ركوب الطائرة، من السباحة والنزول الى النهر، خوفٌ من حيوانات بعينها.. من الكوابيس والبيوت المهجورة، من المرض، من أصواتٍ معينة، من الوحدة، من الأماكن العالية والمصاعد الكهربائيَّة، من الحسد، من المسؤول، من نذالة الصديق، من الخيانة، من حكايات الأماكن (المسكونة)، من الكهوف والمغارات والسراديب، من المجانين، من الموت والمقابر.. و.. ومن خوف الإنسان من نفسه وما توسوسُ له من طمعٍ أو غدر، وما لم آتِ على ذكره أضعافٌ مضاعفة.

الأمر الغريب حقاً، هو أنَّ "العراقي" هو الوحيد الذي لا يخشى شيئاً ولا يخاف من شيء، والتاريخ الحديث يذكر لنا بأنَّ معظم قادته وزعمائه علقوا الخوف جانباً، ولم يتعظوا من بطش الرب ولاغضبة الشعب، مثلما يحدثنا بأنَّ العراقي لا يخاف من القوانين ولا الحكومات ولا العقوبات، بغض النظر عن كونه لم يرَ (ابنة شوارع) تعتدي على موظفٍ في أثناء خدمته وتحكم بالمؤبد، ولا مسؤولاً يسرق المليارات ويتمُّ فضحه أمام الملأ ويوضع حبل المشنقة حول عنقه، ولا سائق (تك تك) من مئات السواق تمَّ إيداعه السجن وصودرت عجلته لأنَّه يتلذذ بالمخالفات المروريَّة.. هل لاحظتم معي أنَّ الشجعان الحقيقيين في العراق وحدهم الذين يحترمون القانون ولا يخافون منه؟!.