قدرة نارية فلسطينية تواجه دبابات إسرائيل
• وليام بوث وجوديث سوديلوفسكي وإيلين ناكاشيما وأليكس هورتون
• ترجمة: أنيس الصفار
هذا الهجوم الذي وقع في 31 تشرين الأول على المحيط الرملي الشمالي لغزة مثّل أكبر عدد من الإصابات الإسرائيلية بضربة واحدة في الحرب البرية. أظهر الهجوم كذلك مدى تطور وتوسع القدرة النارية لحركة حماس.
في هذه الساحة، حيث كانت القوات الإسرائيلية ذات يوم تواجه الحجارة والزجاجات الحارقة التي يقذفها بها الفلسطينيون، تجابه إسرائيل اليوم أسلحة أخرى مثل الصواريخ الموجهة بالليزر والذخائر المضادة للدبابات. لقد كانت حماس خلال هذه الفترة عاكفة على إعداد نفسها والتسلح إلى الإسنان، كما يقول أحد المحللين العسكريين.
القوات الإسرائيلية اليوم قد دخلت مدينة غزة وهي مشتبكة مع حماس فوق الأرض وتحتها، بين المدنيين وحول المستشفيات والمدارس والمساجد، في مناطق يشبِّهها الجيش الإسرائيلي بخلية نحل من الأنفاق.
في معركة على كل هذا التقارب بين المتقاتلين كشف مسلحو حماس بعضاً من ترسانتهم المطوّرة، كما يقول الخبراء العسكريون، أعداد مذهلة تصيب المرء بالدوار من الصواريخ التي تطلق من الكتف وقاذفات آر بي جي والصواريخ المضادة للدبابات. كثير من هذه الأسلحة كان يجري تهريبها إلى داخل قطاع غزة عبر الأنفاق والمعابر البرية وعن طريق البحر على مدى عقد من الزمن.. أسلحة من بقايا حروب العراق وليبيا وسوريا والسودان، إلى جانب أسلحة أخرى مصنوعة في إيران وحتى كوريا الشمالية.
هناك أيضاً أنواع محوَّرة من هذه الأسلحة تم تجميعها بمستوى أعلى من التعقيد داخل غزة نفسها في ورش ومصانع تحت الأرض.
يقول المحللون إن إسرائيل تراقب عن كثب أنواع الأسلحة التي تمتلكها حماس: بنادق قنص حديثة وطائرات شراعية وقاذفات آر بي جي وقنابل مغناطيسية وطائرات مسيَّرة انتحارية هجومية وغواصات صغيرة وألغام أرضية وصواريخ مضادة للدبابات وصواريخ بعيدة المدى تستطيع الوصول الآن إلى حيفا شمالاً قرب الحدود اللبنانية وجنوباً إلى إيلات على البحر الأحمر، ولو أنها لا تزال تفتقر إلى الدقة.
يقول "مايكل ميلشتاين"، الرئيس السابق للقسم الفلسطيني في الجيش الإسرائيلي والمحلل الأقدم بمركز ديان في جامعة تل أبيب،: إن حماس ومقاتليها الذين يقدر عددهم بنحو 30 ألفاً أو يزيد مسلحون تمام التسليح وعلى مستوى عال من التدريب بحيث أن ألويتها لا تختلف عن الجيوش النظامية لدول.
من مراقبة ما تكشَّف عنه الأسبوعان الأولان من الغزو البري لم يظهر ما يمكن اعتباره جديداً أو مفاجئاً بخصوص الأسلحة نفسها، لكن المفاجأة الكبرى كانت في الكميات، كما يقول ميلشتاين الذي يضيف: "إسرائيل تواجه اليوم حماساً أعظم قوة مما كانت بكثير".
رغم الدعوات التي وجهتها الولايات المتحدة لمزيد من "الهدنات الإنسانية"، ومطالبات القوى الإقليمية بوقف شامل لإطلاق النار، لم تبدِ إسرائيل أية دلائل على أنها تنوي وقف هجومها، حيث طوَّقت دباباتها عدداً من المستشفيات في شمال غزة يوم الجمعة كما تعرضت المرافق الطبية التي تؤوي النازحين لإطلاق النار.
أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الدبابات تحاصر عدة مستشفيات مطالبة بإخلائها، وهو أمر يقول الأطباء إنه من المستحيل القيام به بشكل آمن.
يقول "آفي ميلاميد" الذي كان مسؤولاً سابقاً في المخابرات الإسرائيلية ومؤسس معهد "داخل الشرق الأوسط": إن إسرائيل سوف تواجه ظروفاً "تحديات عالية"، على حد وصفه، ويضيف: "أنه جيش قوي التسليح لا مجرد عصبة من الصبية الصغار الذين يركضون هنا وهناك حاملين المسدسات".
نشر حماس أعداداً كبيرة من وحدات مكافحة الدبابات أمر مثير للقلق بشكل خاص بالنسبة للقوات الإسرائيلية إلى حد أن الجيش الإسرائيلي يبدو وكأنه قد ركز جهده الاستخباري على محاولة العثور على الأهداف كي تتولى القوات الجوية والبرية تدميرها.
يصدر المكتب الإعلامي في الجيش الإسرائيلي كل بضعة أيام معلومات عن استهداف قواته قادة وحدات مكافحة الدبابات في حركة حماس وقتلهم. بيد أن حماس من جهتها لا تصدر تأكيدات بشأن مصرع نشطائها العاملين وهذا يجعل من المستحيل في أغلب الأحيان التحقق من الادعاءات الإسرائيلية عن طريق جهات مستقلة. رغم ذلك فإن الشيء الواضح منذ الآن هو أن حرب غزة هذه هي الأعتى والأشد قتلاً مقارنة بمعارك الأعوام 2009 و 2012 و2014 و2021.
لقد أدى القصف الإسرائيلي والهجمات البرية إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص كثير منهم نساء وأطفال، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وفي يوم 7 تشرين الأول أسفر هجوم حماس على المجمعات الزراعية والقواعد العسكرية وحفل موسيقي على طول حدود غزة عن مقتل 1200 إسرائيلي على الأقل واحتجاز 240 آخرين. ويقول الجيش الإسرائيلي إن 41 جندياً إسرائيلياً قد لقوا مصرعهم في عملية الغزو البري.
في حرب أيار 2021، التي دارت رحاها بين حماس وإسرائيل بالدرجة الأولى، تمكنت خلايا الصواريخ المضادة للدبابات التابعة لحماس من توجيه ضربات أسفرت عن مقتل عناصر من العسكريين والمدنيين وبذلك أثبتت أنها أشد فعالية من هجمات الطائرات المسيرة، كما يقول "بهنام بن طاليبو" وهو زميل أقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
يقول طاليبو: "طائرات حماس المسيرة وصواريخها أمكن اعتراضها، وغواصاتهم الصغيرة المسيرة أمكن إيقافها أيضاً، كما أمكن اكتشاف عناصرهم العاملين عبر الأنفاق العابرة للحدود، ولكن قواتهم المضادة للدبابات نجحت في الاختراق وتسديد ضرباتها".
يقول المحللون العسكريون إن الأنظمة المضادة للدبابات التي تنشرها حماس تشمل "بولساي-2"، وهو نسخة كورية شمالية من نظام "فاغوت" الذي يرجع عهده إلى الحقبة السوفياتية، و"آر بي جي-7"، وهو سلاح روسي الأصل أيضاً، بالإضافة إلى نسخة كورية شمالية منه يطلق عليها "أف-7".
الأنظمة الأخرى التي شوهدت في مقاطع فيديو لحماس تشمل أنظمة "كورنيت" و"كونكرس" على النمط الروسي، بالإضافة إلى نظام "رعد" الإيراني وهو نسخة من "ماليوتكا" السوفييتي.
يقول طاليبو: "هذه التشكيلة من الأسلحة الأجنبية مجتمعة يمكن أن تعقّد الوضع حتى على أكثر الجيوش تطوراً من الناحية التكنولوجية في سيناريو القتال في المناطق المدنية"، ويضيف: "لنا أن نتوقع مزيداً من التركيز على الأسلحة المضادة للدبابات وأساليب الحرب ضد الدروع من جانب حماس كلما أمعنت القوات الإسرائيلية توغلاً داخل غزة".
خلال العقد الماضي، كما يقول المحللون، كان كثير من الأسلحة المضادة للدبابات يُهرَّب إلى داخل قطاع غزة عبر الأنفاق من صحراء سيناء المصرية وكذلك بواسطة الشاحنات التي تمر عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.
يقول "ييهوشوا كالسكي"، وهو خبير أسلحة وكبير باحثين في معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب: إن الأسلحة يمكن تفكيكها ومن بعد ذلك اإخفاء الأجزاء المنفردة بين شحنات الأغذية ومواد المعونات.
يقول "أميل كوتلارسكي"، وهو كبير محللين وخبير أسلحة في شركة "جينز" للاستخبارات الدفاعية: إن الاسلحة المضادة للدبابات التي تمتلكها حماس ينتج بعضها داخل القطاع، مثل الرأس الحربي "تانديم85". هذا النوع من المقذوفات يستخدم شحنتين متفجرتين لخرق دروع المركبات الحديثة، وهو البصمة الإيرانية التي تمدُّ بها إيران الحركات الحليفة لها مثل حماس، وقد سبق استخدامها من قبل بأثر فتاك ضد القوات الأميركية في العراق.
إسرائيل من جانبها طورت نظاماً دفاعياً مضاد لهذه الأسلحة يطلق عليه "نظام تروفي للحماية النشطة"، كما يقول "رايان بروبست" من "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات". يعمل هذا النظام باستخدام الرادار لتتبع مسار القذائف الآتية ثم يعترضها بإطلاق مقذوفاته الدفاعية الخاصة به، وهو نظام ناجح إلى حد كبير غير أنه معرَّض للإخفاق لدى إمطاره بوابل كثيف من المقذوفات أو عند تعرُّضه لقذائف تطلق من مسافة قريبة، مثلما حدث في حالة القبة الحديدية للدفاع الجوي.
من الجدير بالذكر، كما يضيف بروبست، أن الجيش الأميركي قد تسلم أنظمة تروفي وركبها على دبابات آبرامز في العام 2019 قبل أن ينشرها في أوروبا.
يقول كالسكي، المحلل الإسرائيلي،: إن إسرائيل احتاجت في العام 1967 إلى ثلاث فرق فقط خلال الحرب الإسرائيلية العربية لهزيمة الجيش المصري في سيناء خلال ستة أيام، أما الآن فإن الجيش الإسرائيلي يستخدم قوة بنفس هذا الحجم منذ شهر في غزة لكنه يخرج بنتائج مختلفة تماماً.
يمضي كالسكي مستطرداً: "هذه حرب مختلفة.. إنها حرب صعبة للغاية.. فهم مجهَّزون ومستعدون".
•عن صحيفة "واشنطن بوست"