باقر صاحب
أيُّ مشاهدٍ لمقطع فيديو ظهر فيه جندي إسرائيلي ينتقد نتنياهو بكلّ تذمّر، بأن الأخير سيجرّ ما تُسمىّ (إسرائيل) وشعبها إلى الهاوية، سيدرك أن هناك سخطاً شعبياً في داخل الكيان الصهيوني إزاء الحرب على غزة، وأن رئيس وزراء هذا الكيان، لم تكن تصرفاته حكيمة، إزاء هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأول، لا سيما أن هذه الحركة لفتت أنظار العالم بهجومها الخاطف على أعتى قوة عسكريَّة في الشرق الأوسط تمتلك السلاح النووي أيضاً، هذا الهجوم حقّق أهدافاً عديدة، إذ تريد حركة حماس إظهار أنها (سلطة عسكريَّة وسياسيَّة بحكم الأمر الواقع) تمثل الفلسطينيين، ويتعامل معها العالم على هذا الأساس بحسب ما ورد في مقالة للكاتبة لينا الخطيب، في صحيفة (الغارديان) البريطانيَّة، وأشارت إليه (بي بي سي نيوز) في معرض تناولها لما كتبته الصحف البريطانيَّة عن أحداث غزة. مقطع الفيديو المشار إليه أعلاه، بقدر ما يشير إلى تبرّمٍ في (الداخل الاسرائيلي) مدنيين وعسكريين من سياسة نتنياهو، بقدر ما يفضح هشاشة (دولة إسرائيل) وفشل جهاز استخباراتها (الموساد)، الذي أسطرته الحكومات المتعاقبة بوصفها له بأنه أحد أقوى أجهزة الاستخبارات في المنطقة والعالم.
وفقاً لما ذكرنا أعلاه، فإنَّ الهجوم الوحشي لقوات نتنياهو على قطّاع غزة، والابادة الجماعيَّة للفلسطينيين، هو لأجل امتصاص الغضب في (الداخل الاسرائيلي) إزاء ما أحرزه الهجوم الفلسطيني المباغت من مكاسب باحتجاز أسرى(اسرائيليين)، ورهائن أجانب، ستعتبر ورقةُ ضغطٍ لفك أسرى آلاف الفلسطينيين في السجون الاسرائيليَّة، فضلاً عن مئات القتلى والجرحى من (الاسرائيليين)، وانتشار الرعب بين الأحياء منهم بسبب القصف الصاروخي الفلسطيني المستمر.
لكنَّ وحشيَّة القوة العسكريَّة للكيان الصهيوني فاقت كل الحدود، ما أثار غضب الرأي العام العالمي، لا سيّما أن آلاف الضحايا كانوا من الأطفال والنساء، فضلاً عن الحصار اللاإنساني على قطاع غزة وعدم السماح لدخول الامدادات الغذائيَّة والصحيَّة والوقود.
أكلُّ هذه الوحشيَّة، من أجل الدفاع عن النفس، كما يسوّقون في إعلامهم؟ والمفارقة المؤلمة؛ إنّ قادة الغرب، الأميركي بايدن، والبريطاني تسوناك، والفرنسي ماكرون باتوا مفضوحين أمام العالم، تقاطروا على (اسرائيل) ليعبروا عن تأييدهم لها في السيناريو المضحك بأنها تدافع عن نفسها، هذا يكشف بشكلٍ مقرفٍ ما خفيَ من الازدواجيَّة الغربيَّة، بأن أميركا وأوروبا تظهر بأنها زعيمة المدافعين عن حقوق الإنسان المضطهدة في كلّ أرجاء العالم، وذلك حينما ليس هناك خطر على مصالحها. أما إذا دقّ ناقوس الخطر على مصالحهم، حشّدوا كلَّ ما يمتلكون من ماكنةٍ عسكريَّة وإعلاميَّة ومخططاتٍ مشبوهةٍ للدفاع عن مصالحهم المُهدّدة من أيَّة دولة. ألم يفعلوا ذلك مع روسيا إزاء حربها على أوكرانيا، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على توغّل روسيا في الدولة المجاورة أوكرانيا، إذ تريد روسيا الحفاظ على أمنها القومي، ونادت الغرب مراراً، قبل تدخلها العسكري، بعدم جعل أوكرانيا ضمن حلف الناتو، ونشر قواعد عسكريَّة له على الحدود مع روسيا. فضخّت أميركا والغرب المتأمرك عشرات المليارات من الدولارات إلى أوكرانيا على شكل مساعداتٍ عسكريَّة، وغير ذلك، ليس بسبب التباكي على مواطني أوكرانيا ورفض احتلالها، بل لأجل إضعاف روسيا كيلا تقوم لها قائمة، وإجهاض اهدافها في أن تعيد أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق، كدولةٍ عظمى تعيد خلق التوازن العسكري والاقتصادي مع دول حلف الناتو.
إنَّ الحليف المُدلّل لتلك الدول، الكيان الصهيوني، ماضٍ، بكل صلافةٍ ووحشيَّة، في تحقيق ما تنبّأ به، المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد حين قال بضرورة تفويت الفرصة على العدو، من استثماره كلَّ فرصة، لا نستبعد بأنها مدروسةٌ بكلّ إتقان وشيطنة، بانتظار الوقت الملائم لتحقيقها، فقد قال سعيد، بحسب ما نشرته الكاتبة أهداف سويف في صحيفة (الفايننشال تايمز) ضمن تقرير (بي بي سي نيوز) نفسه «إن مصير السكان اليهود وغير اليهود في فلسطين أصبح مرتبطاً بشكل لا ينفصم. فانتبهوا، لأنّ الحكومات الإسرائيليَّة ماهرةٌ في تحويل كلّ شيءٍ – حتى الكارثة – إلى فرصة. والآن يبحثون عن فرصتهم لبدء إفراغ قطّاع غزة من أهله».
ومن ذلك، نرى أنّ من أهمّ وأخطر خوافي الحرب على غزّة، ما أدلى به، ضمن مقطع فيديو، نائبٌ في جلسة للبرلمان المصري، بأنّ هدف (الكيان الصهيوني) من إخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين هو لأجل المضي في إنشاء قناة بدأ العمل بها من تشرين الثاني من العام الماضي، ويستمرّ العمل فيها ثلاث سنوات، وستنافس قناة السويس، بحسب تصريح ذلك النائب. هذه القناة، وتُسمّى ( قناة بن غوريون) تمرّ عبر قطّاع غزة وصولاً إلى ميناء ايلات (الاسرائيلي) فانتبهوا أيها العرب والفلسطينيون إلى ذلك الخطر الصهيوني القادم!.