آفاق العمل الرسمي في ظلّ الخيارات الصعبة
• جواد علي كسار
ربما نجد في ملاحظة نادرة وصريحة أبداها عبد الناصر، تفسيراً لجدوى العمل الرسمي في المحيطين العربي والإسلامي، عبر قنواته الكبرى متمثلة بالجامعة العربية من جهة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي تحولت إلى منظمة التعاون الإسلامي، من جهةٍ أخرى. ففي وقتٍ مبكر من تأريخ الدبلوماسية العربية الرسمية، يعود إلى شهر أيار عام 1965م، تحديداً في يوم الاثنين 31 أيار، شهدت القاهرة انعقاد الدورة الثانية للمجلس الوطني الفلسطيني، وقد كانت مفارقة أن تفتتح أعمال الدورة بخطاب لجمال عبد الناصر لخص فيه فاعلية العمل الرسمي في نطاق الجامعة والقمم العربية، ليس لذلك الوقت وحده، وإنما جاءت كلماته وكأنها تعطي ملامح المستقبل، على مدى عقودٍ بعد ذلك.
واقعة عبد الناصر
لم تكن مشاركة عبد الناصر وحضوره أمراً مقرراً سلفاً، بل انطلق من وحي الفجأة وربما الارتجال، لذلك افتتح كلمته، بالقول: "الحقيقة، بعد ما كنتُ لا أنوي الحضور، وجدتُ أنه من الضروري أن أشارك في مؤتمركم حتى أقول لكم؛ إنه يجب أن نكون واضحين، (ولازم نعرف نحنُ فين ورايحين فين).. وأن لا نقتصر على الهتاف بأننا عائدون إليك يا فلسطين" .
أضاف موضحاً: "أنا جئتُ لأقول لكم، إن العودة إلى فلسطين طريقها ليس مفروشاً بالورود، طريقها مفروش بالدم؛ إنه الطريق الصعب" .
لقد راح يتساءل بلحظةِ صراحة نادرة، تعكس مستوى العمل الرسمي العربي آنذاك، وهو يقول: "نحنُ اليوم غير قادرين على الدفاع، (إزاي نتكلم عن الهجوم؟) إننا إذا تكلمنا اليوم عن الهجوم (نبقى بنهرّج، ونبقى بنبالغ)". ثمّ أضاف كمن يُعطي تلخيصاً استشرافياً مكثفاً، لعقود آتية من مستقبليات العمل العربي الرسمي، وثلاثين قمة شهدها العالم العربي بعد ذلك، وهو يقول نصاً: "الجامعة العربية هي الجامعة العربية، ومؤتمرات الملوك والرؤساء هي مؤتمرات الملوك والرؤساء؛ كلها قدراتها محدودة"، (أرجو الانتباه إلى أن عبد الناصر يخلط أساساً، بين الفصحى والمصرية الدارجة).
القمم ومنهج الاستقراء
بلا أن نقع في إغراءات السكونية ومزالق اللاتأريخية، قد يبدو هذا التقييم لعبد الناصر مقنعاً، في أن يجرّنا إلى تعميم نتيجته على القمم العربية كافة، منذ القمة الأولى في كانون الثاني 1964م، إلى قمة السبت الاستثنائية الأخيرة في الرياض التي حملت الرقم (32)، على الأقلّ في ما يرتبط بالقضية الفلسطينية.
ما يعزّز من قيمة هذا التعميم والحكم الصادر من ورائه بعدم جدوى الرسمية في الدائرتين العربية والإسلامية؛ هو حصيلة أي عملية مراجعة نقوم بها على أساس منهج الاستصحاب والاستقراء. فباستقراء القمم العربية جميعها أو البارز منها على الأقل، لا نخرج عملياً عن حيّز النتيجة المذكورة. فالقمة الأولى (القاهرة، 13 كانون الثاني 1964م) اعتبرت أن قيام "إسرائيل" هو الخطر الأساس الذي اجتمعت الأمة العربية على دفعه، لتأتي الثانية (الإسكندرية، 5 أيلول 1964م) وهي ترحّب بقيام منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الكيان التمثيلي للشعب الفلسطيني، وتقرّ إنشاء جيش التحرير الفلسطيني.
هكذا استمرّ الحال إلى قمة الدار البيضاء (13 - 17 أيلول 1965م) التي أقرّت ميثاق التضامن العربي، كمقدّمة لابدّ منها لمعركة تحرير فلسطين، فجاءت الحصيلة عملياً هزيمة الثورية العربية القائمة على الأيديولوجية القومية، في حزيران 1967م، وسقوط غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية في قبضة "إسرائيل" بالإضافة إلى سيناء والجولان، فكان الجواب دبلوماسياً قمة الخرطوم (آب 1967م) التي اشتهرت بقمة اللاءات الثلاث: لا اعتراف.. لا تفاوض.. ولا سلام، والأهمّ من ذلك التفكير بإدخال النفط سلاحاً في المعركة.
صعود المنظمة
بعد الانتصار الكبير للجيشين المصري والسوري في حرب تشرين الأول 1973م، سجّلت منظمة التحرير نصراً سياسياً موازياً، بإعلانها في قمة الجزائر (26 تشرين الثاني 1973م) ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني، وقد مضى القرار رغم تحفّظ الأردن عليه، وتحوّل إلى العلن وتعمّق أكثر في قمة الرباط (29 تشرين الأول 1974م). على هذا مضى الحال في بقية المؤتمرات ولاسيّما الحساسة منها، كما هو الحال في قمة بغداد 1978م، وقمة فاس الأولى والثانية (1981، 1982م) وقمة عمان عام 1987م، وقمة بيروت عام 2000م، بلوغاً إلى القمة الأخيرة في الرياض.
هكذا ينتهي منهج الاستقراء وأصل الاستصحاب والحمل على ما هو قائم وموجود، إلى تعزيز قناعاته بعدم جدوى العمل العربي في نطاقه الرسمي، وهو يضيف إلى ذلك الاجتماعات العربية الأولى التي سبقت قيام "إسرائيل" ثمّ عاصرتها، بدءاً باجتماع تأسيس الجامعة العربية سنة 1945م، مروراً بقمة مزرعة الملك فاروق في انشاص (أيار 1946م) وانتهاءً بقمة عام 1956م. يُضاف إليها ويعزّز نتائجها القمم الإسلامية، خاصةً إذا ما استحضرنا أن منظمة المؤتمر الإسلامي (حالياً: منظمة التعاون الإسلامي) انبثقت أساساً كردّ فعلٍ على حريق المسجد الأقصى في آب 1969م وتداعياته.
الواقعية وتوظيف الممكن
قد يبدو للوهلة الأولى أننا لسنا بحاجة إلى الاعتراض على التيار الذي يُناقش في جدوى الرسمية العربية، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار التماسك المنطقي في حجته. لكن بالمزيد من الحرص وتوسيع المدى، وتعميق الأسئلة والمداخلات، يمكن تعديل الصورة، بإدخال عناصر جديدة عليها.
إنني على يقين تماماً بأن من يتحدّث بلغة إقصاء الرسمية العربية بالكامل وإلغاء دورها تماماً، إنما يفعل ذلك من خلال تحليل بِنية النظام السياسي العربي، وأن هذه البِنية لا تحمل في نشأتها وتكوينها إمكانية مقاومة "إسرائيل"، والقطيعة الكاملة مع المشروع الصهيوني. ومن ثمّ فإن المقاومة المسلحة هي المشروع البديل. وهذا تحليل لا يمكن أيضاً إنكار حجته التي يبتني عليها، لكن المؤسف أن الأمور على الأرض وفي الواقع، لا تتحرّك بالحجة المنطقية وحدها، ولا بالبلاغة البيانية وقوّة الاقناع.
وهذا بالضبط ما يفسّر لنا تراجع منظمة التحرير الفلسطينية كمثال عن منطق الحدية الثورية، كما نصّ عليها الميثاق في التحرير الكامل لفلسطين وإزالة "إسرائيل" بأسلوب المواجهة المسلحة وحدها؛ إلى تعديل الميثاق واعتماد برامج مرحلية، مؤدّاها الأساس إقامة كيانية سياسية (وحتى إدارية وتنظيمية) للفلسطينيين على أي جزء ممكن من التراب الفلسطيني؛ بالحرب والعمل المسلح وبالسياسة والدبلوماسية، أو بهما معاً.
تيار الإسلامية الثورية
قد تكرّر الأمر نفسه مع الإسلامية الثورية في فلسطين التي وجدت تجلِّياتها الأولى في حركة الجهاد الإسلامي وقاعدتها الفكرية الفذّة ومنظومتها التنظيرية المتميّزة، عند تأسيسها أوّل ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن تشاركها النهج نفسه حركة حماس، وفصائل صغيرة أخرى. فمن حيث المنهج لم يزل التيار الإسلامي الفلسطيني الثوري متمسكاً بأطروحة التحرير الكامل، لكنه يمارس السياسة ويعمل بمقتضياتها وفق اجتهاده وطريقته الخاصة، وله علاقاته مع السلطة الفلسطينية في الداخل، ومع المحيط الإقليمي العربي والإسلامي، وبما يسمح به المحيط الدولي أيضاً (العلاقات المتزايدة لهذا التيار مع روسيا وربما الصين). وقد يتفاوض أحياناً مع تل أبيب نفسها، لمراكمة مكاسبه أو لدفع الضرّ عن نفسه وقواعده الشعبية، من دون أن يكون عُرضة للاتهام من أحد، ما يدل على أن هذا التيار يمارس السياسة كما تمارسها الرسمية العربية، من حيث المضمون والجوهر.
على إننا إذا أخذنا أعنف التجارب الثورية من حولنا خلال القرن الأخير، ولاسيّما في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، (وفي قلب أوروبا، كما حصل في إيرلندا وبريطانيا وأسبانيا) لا نعثر مطلقاً على عمل ثوري مستغنٍ عن السياسة، أو لم يتوكأ على الدبلوماسية وخياراتها
الواسعة.
خيارات مصرية
إذا انطلقنا من رؤية إصلاحية عامة تجمع بين الطاقتين أو المجالين الرسمي والشعبي، فلا يمكن أن نحكم على الرسمية العربية أو الإسلامية على أنها شرّ مطلق أو نكوص دائم، بل الشرّ يكمن في الإبقاء على القطيعة الكاملة بينهما، ومن ثمّ يتمثل الخير بمدّ ما أمكن من الجسور بين المجالين. وإذ لا نريد الآن أن نغوص في التأريخ لنرصد ما قدّمته الرسمية من مكاسب لقضية فلسطين، فيكفي للتدليل على أهميتها والإبقاء على قنواتها، أن نستحضر في قمة الرياض الأخيرة حضور سوريا المصنّفة دولة مقاومة، وعدم استغناء إيران عن المشاركة الفاعلة فيها، وحرصها للحضور فيها على مستوى رئيس جمهوريتها، وهكذا إلى بقية الأمثلة.
في ما بقي من مساحة المقال أودّ أن أقف على إشارات سريعة، يمكن أن تفجّر إمكانات واسعة في إغناء العمل الرسمي عربياً وإسلامياً. أبدأ من مصر التي نعرف جميعاً التزامها بمعاهدة سلام مع "إسرائيل"، وما أقصده على نحوٍ مكثف أن يد مصر مفتوحة رغم هذه المعاهدة، بل بسبب هذه المعاهدة. لا أتحدّث عن رفح والإمكانات الهائلة التي يمنحها المعبر في مساومة "إسرائيل"، بل اتخطى ذلك إلى حماس والجهاد الإسلامي، واستغرب أن دولةً عريقةً كمصر كانت غزة كاملةً تحت إدارتها حتى عام 1967م؛ تترك الاستثمار في هذه الورقة الرابحة، تماماً كما تفعل قطر وتركيا وإيران؟!.
إذا كانت "إسرائيل" قلقة من الحدود المشتركة بين قطاع غزة ومصر، وهي لا تتجاوز بطولها الأربعين كيلو متراً؛ فكيف إذا ناورت مصر بجبهتها الحدودية الكاملة مع "إسرائيل"؟ ليس المطلوب أن تلوّح القاهرة بالحرب، وإن كان ذلك ليس مستحيلاً، بل تهدّد بالسلام، وأنه لا يمكن أن يكون دائماً قاراً، و"إسرائيل" تزعزع الاستقرار بنظريتها الأمنية الاستفزازية المهدّدة للسلام.
الجبهة الخليجية
أعتقد أن إدارة المواقف في العمل الدبلوماسي لا تحتاج إلى وحدة الأفق الأيديولوجي، حتى تعترض السعودية أو الإمارات بالخطّ الإسلامي المقاوم لحماس والجهاد، فالعالم اليوم مستقطب إزاء ما يجري في فلسطين ليس على أساس الأيديولوجيا وحدها. وكذلك الحال في الانحيازات بين أوكرانيا وروسيا، فما من وحدة أيديولوجيا مثلاً بين روسيا وإيران، حين اصطفّت الأخيرة مع روسيا، بل هي المصالح وإدارة التوازنات على أساس المصالح. وما أراه أن بمقدور دول الخليج أن تلعب أدواراً أكبر، ولا تدع الساحة وقفاً على قطر وحدها، أو إيران.
الجزائر وعمان والمغرب
عقود من العواصف و"الرزانة" السياسية والاقتدار الدبلوماسي المميز، مشهود لسلطنة عمان خليجياً، وللجزائر والمغرب في داخل الإقليم العربي. وقد كنتُ ولم أزل أرى أن بمقدور هذه الدول الثلاث، أن تمنح المشهد العربي والإسلامي الرسمي، المزيد من الفاعلية الرصينة، وتضيف إليه المكاسب.
الجبهة الأردنية
جميعنا يدرك حساسية الأردن، ولكن بسبب هذه الحساسية وانطلاقاً منها، يستطيع الأردن أن يقدّم الكثير، لأن "إسرائيل" تفكر ألف ألف مرّة قبل أن تجازف بخلخلة الجبهة مع الأردن كما مع مصر، وذلك على عكس الجبهة المفتوحة مع لبنان، والمتزعزعة مع سوريا.
على سبيل المثال تابعتُ باهتمام ما قام به الأردن من إنزال معونات للمستشفى الأردني في غزة، عن طريق الطيران الأردني وبشكلٍ مباشر، وبمقدور الخبراء أن يقدّموا على هذه الجبهة ـ كما غيرها ـ عشرات الخيارات المتاحة.
المحور الإسلامي
بودّي أن أكرّر ما كتبته مرّات من أن العرب هّم أقلية في العالم الإسلامي، ومن ثمّ هناك طاقات رسمية وشعبية هائلة قابلة للتوظيف الدائم ـ وليس في المناسبات والحوادث الصادمة وحدها ـ إذا ما انتبهنا إلى ذلك، وعملنا على تحفيزه، وخفضنا قليلاً من النرجسية العربية.
بودّي أن أعيد التركيز على أدوار الباكستان وبنغلادش وأفغانستان، وأندونيسيا وماليزيا، ونيجيريا والسنغال، بديهي بالإضافة إلى تركيا. مؤسف جداً أن يُختزل الموقف الإسلامي بإيران وحدها، ربما تضرّ بالقضية أحياناً بسبب ما يحيطها من تجاذبات وحساسيات، بينما تتجمّد على محور هذه الجبهة طاقات استثنائية، لاسيّما في البلدان التي ذكرناها.
الملاحظات الأخيرة
أولاً: ينبغي أن نعترف بأن ثنائية القوى الرسمية والشعبية في العالم العربي؛ راكزة في بِنية النظام السياسي العربي؛ داخلة في نسيج دول ما بعد الاستقلال. وقد فشلت حتى اليوم جميع الاتجاهات الثورية؛ يسارية وقومية وإسلامية في حسم الصراع لصالحها، كما سجّلت الأنظمة الرسمية فشلاً مماثلاً؛ ما يفتح الطريق أمام خيار ثالث، هو التعايش بدلاً من الصدام والإلغاء، في خيارات متاحة تتسع تارة وتضيق أخرى، من أمثلتها أطروحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الموسومة: "من أجل متحد عربي – إسلامي"، والأنموذج التونسي قبل قيس سعيِّد، والسودان قبل الحوادث الأخيرة، ويبقى الأنموذج الخليجي أفضلها في التعايش، لما يؤدّي إليه من رفاه العباد وعمار البلاد.
ثانياً: أودّ أن أكرّر التأكيد بأن سلاح مصر والأردن في السلام مع تل أبيب لا يقلّ مضاءً عن السلاح العسكري، وأن الدولة اليهودية على استعداد لأن تبذل الغالي والنفيس، للإبقاء على غلق الجبهتين المصرية والأردنية بالسلام، ما يعطي للقاهرة وعمان مجالاً كبيراً للعمل والمناورة، لاسيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار، قدر التراكم الأمني والسياسي والدبلوماسي في خبرة البلدين.
ثالثاً: أعتقد أن سوريا لن تخسر قطّ أكثر من خسارتها الحالية، لو أنها حرّكت جبهتها ضدّ "إسرائيل"، ولو على نحو المشاغلة، وإلا فحساب دمشق مع التأريخ عسير.
رابعاً: أسجّل بصدق أن حزب الله في لبنان، من الصعب أن يحظى بفرصة أخرى في فتح جبهة موازية ضدّ "إسرائيل"، كمثل هذه الفرصة النادرة التي أتاحتها غزّة.
خامساً: أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فالكلّ يتفق أنها أمام خيار ستراتيجي لا نظير له، لكي تحقّق أهداف مشروعها المناهض لأميركا و"إسرائيل"، من خلال الدخول بثقلها العسكري المباشر، وأن تترك لعبة الجيوب النائبة، واللغة الشرطية (لو فعلت إسرائيل كذا، فسنقوم بمحو تل أبيب، وما شابه).
كما أن على أصحاب القرار في طهران أن يتذكروا بأن الفلسطينيين أكثر شعوب المنطقة مرارة، من إدارة المعارك مع عدوهم، بالألفاظ الرنانة والشعارات الجوفاء، والتظاهرات الصاخبة، أو النصرة بارتداء الكوفية، وإطلاق نبوءات المستقبل، مما يختلط فيه الغيب بالخرافة.
سادساً: المعيار الأعظم في اللحظة الحاضرة هو المصلحة ومنطق الجدوى والمنافع. وعلى ذلك فمن المهمّ جداً تفعيل أدوار بقيت هامشية حتى الآن كالجزائر وسلطنة عمان والمغرب، وإضافة ثقل بلدان إسلامية مهمّة ومغيّبة، مثل الباكستان وأندونيسيا وغيرهما مما ذكرناه سابقاً. بالإضافة طبعاً إلى التعامل الواعي مع مظاهر التفاعل الإنساني العميق في بلاد الغرب، والتنامي الواسع لما أسميه بتيارات الغرب الإنساني، على مستوى القواعد الشعبية والرأي العام، والفئات المفكرة والمثقفة، وشريحة من السياسيين، وإن بدت متواضعة لكنها يمكن أن تكبر ويتعمّق تأثيرها.
أخيراً، ينبغي أن ننتبه دائماً إلى أن الدبلوماسية ليست ممارسة لفظية تعتمد البلاغة في البيان والفصاحة في اللسان، ولا هي أيضاً محض قوّة في الاستدلال والحجة المنطقية، بقدر ما هي تعبير ناعم عن مقدرات القوّة الواقعية التي يمتلكها أي طرف، ويوظفها في فرض مواقفه، وتحقيق المكاسب بقدرها.