دعد ديب
ترشح الفيلم الألماني "غرفة المعلم"(2023) للمخرج ايلكر ساناك، للمنافسة على جائزة بانوراما الجمهور في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والسبعين، كما حصلت الممثلة الرئيسية ليوني بينيش على جائزة أفضل ممثلة.
الروح العالية التي تميزت بها المعلمة الشابة " كارلا نواك" (ليوني بينيش) المكلفة بتدريس الرياضيات والرياضة في المدرسة الثانوية، في اتباع أسلوبٍ خاصٍ في التدريس، برؤى حداثية تتوافق طريقة معالجتها لمشكلاتهم.
ومنذ البداية تصطدم المعلمة مع التوجهات المباشرة والحادة للإدارة، وأهمها سياسة عدم التسامح في تعاملهم مع الطلاب، إذ تواجه المدرسة عدداً من السرقات مجهولة الفاعل، ويتم التشكيك بأحد الطلاب الذي يصدف أنه ينتمي لأقلية تركية، ويتم استدعاء ذويه إثر ملاحظة وجود كمية كبيرة من المال معه، ليتبين أنه بريء بعد استدعاء الأهل، والتأكد أنهم من أعطوا ولدهم مبلغًا كبيرًا من المال لشراء بعض الحاجيات، الأمر الذي تسبب بإحراج الصبي أمام زملائه، وإحراج الأهل،كذلك لاستدعائهم بهذه الطريقة من قبل الادارة، كونها اتبعت أساليب استجواب غير مقبولة وأشاعت حالة من التنمر للطالب بين أقرانه.
المعلمة لم ترضَ على مجمل السياسة المتبعة في المدرسة، لأنها تهتم بمشاعر طلابها ودور الحالة النفسية في تدعيم السلوك والتفاعل الإيجابي في تلقي واستيعاب باقي العلوم، وقد لاحظت المناخ المتوتر والمستفز، الذي سيطر على جو الصف وأقلقها الأمر كثيراً، لذا لجأت إلى تقصي موضوع السرقات بنفسها عن طريق كاميرا اللابتوب خاصتها، لتصور إحدى حالات السرقة ولتلحظ بعضًا من الرداء، الذي ترتديه السارقة "السيدة كون" ولم يفلح حوارها معها بالاعتراف بالواقعة، الأمر الذي اضطرها لرفع الموضوع إلى إدارة المدرسة، وطلب التحقيق معها مما أدى لإيقافها عن العمل، ولكن السؤال هنا ما هو الأمر الأكثر سوءًا هل هو الإنكار الوقح من قبل السارقة، أم فعل التجسس الذي قامت به المعلمة المتحمسة للعدالة، والمشكلة التالية في والتأثير المدمر على نفسية وسلوك ابن المتهمة بالسرقة "كارلوس" الطالب المتواجد في صف المعلمة وهو الفتى الذكي واللماح نتيجة تصاعد الأمر باتهام أمه بالسرقة، والمشكلة التي أخذت تتفاعل بين الطلاب، الموضوع الذي بدأ صغيراً بالبداية وما لبث أن كبر وكبر وتفاقمت تداعياته، فالفتى لم يقبل بالسكوت على إهانة أمه وقام بتحريض بقية التلاميذ.
يشير العمل إلى فكرة مهمة في أن النوايا النبيلة لا تبرر الاختراقات غير القانونية من أجل ذلك، فقيام المعلمة بتصوير من حولها هو بحد ذاته انتهاك لخصوصيتهم وأمر غير مقبول وغير مسموح مهما كانت دوافع من يقوم به، والجانب الآخر هو سلوك الطلاب وردود أفعالهم في استنكار ما حدث وقيامهم بعرض أفكارهم، وتنديدهم بسلوك كل من المعلمة والادارة عبر مجلتهم المحلية التي اشتغلوا بغالبيتهم على إصدارها بمعزل عن ارادة الإدارة والمعلمة وقد كرس فريق التحرير المشاكل المعروضة ملخصة في التنمر والعنصرية والطبقية والهياكل السلطوية في المدرسة، مما حدا بالإدارة إلى توقيف المجلة ومصادرة أعدادها.
يقال إن الأمور الصغيرة هي صورة لكبريات القضايا، فهذه القصة الصغيرة في المدرسة تنعكس على مستوى البلد بشكل عام والسلطات المهيمنة، فما أن تصطدم أي فكرة أو رأي مع توجهات السلطات العليا، حتى تبادر إلى إلغاء الرأي الآخر ومصادرته وكم أفواه من يعارضها بغض النظر عن صوابيه الرأي المصادر من عدمه، وما ادعاءات الديمقراطية إلا واجهة تجميلية وغير حقيقية كما أنها تعبير عن زيف وخداع يكشف فقدان العدالة والتحيز وعدم قبول المختلف.
كانت حركة الكاميرا "جوديث كوفمان" موفقة في التقاط تعابير الوجه بالدرجة الأولى عند كل من المعلمة والسيدة "كون" أم الصبي "كارلوس" بالإضافة للأداء المتقن للممثلين وخاصة الأولاد منهم، مما جعلنا نشعر وكأننا في صف حقيقي من طلاب يتنمرون على بعضهم وأولياء أمور يعترضون على أداء الإدارة وسلوكها، والشيء اللافت في العرض أن كل شخصية تحمل في منطقها جزءًا من الحقيقة أي معها حق من جانب ومن جانب آخر لا، لذا كانت الدراما في صراع الشخصية الرئيسة، وهي المعلمة مع نفسها من جهة ومع الآخرين من جهة ثانية لناحية نواياها الطيبة ومع ما انتهت إليه الأمور من تصعيد بين الطلاب.
الحلول المطروحة في الفيلم لتجاوز المشكلة، هل ننقل الطالب إلى مدرسة أخرى، أم ننقل المعلمة لتخفيض حجم التوتر والاستفزاز اللذين سادا الصف، نهاية مفتوحة على الاحتمال والمشكلة قائمة مما يجعل المشاهد شريكًا بالتفكير في المعضلة الأخلاقية الواقعة، وفي إيجاد الحلول لها وبقاء المشكلة حاضرة في ذهنه مما يبقي للعمل صدى في وجدانه وضميره.