باقر صاحب
تكاد تقول مقالات الرأي وتحليلات المراقبين، أن أوكرانيا الذي تحارب قوة عسكرية عالمية مثل روسيا، باتت في هامش الاهتمام الأميركي والغربي، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، وأن الأنظار تتجه إلى تطورات حرب الكيان الصهيوني ضد غزة، منذ اقتحام مقاتلي حماس المفاجئ للجميع، بما فيها استخبارات هذا الكيان، للمستوطنات المحاددة لغلاف غزة، وذلك في فجر السابع من تشرين الأول الماضي.
تغيّر بوصلة الدعم الغربي باتجاه هذا الكيان بالدرجة الأولى، أثار قلق الرئيس الأوكراني من هذا التحول الدراماتيكي، الذي أصبح محل شماتةٍ وغبطةٍ ومبعث أملٍ للروس في تحقيق انتصارٍ على الأوكرانيين، وتزداد توقعات إنهاء الحرب الأوروبية، كلما طالت الحرب الجديدة في الشرق الأوسط.
مع التذكير بأن الغرب خاصة بات تعباً من الدعم اللا مجدي لأوكرانيا، مع اقتراب حربها مع روسيا من إكمال عامها الثاني في شباط المقبل، من دون تحقيق انتصاراتٍ ملموسةٍ للأوكرانيين على الروس، خاصة بعد فشل ما سُمِّي بالهجوم المضاد، الذي ربما ستنطوي صفحته مع حلول فصل الشتاء، وذكر أحدث تقريرٍ لوكالة «سكاي نيوز عربية» بأنه (قبل أسبوعين، اعترف القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوزني بأن الأمور وصلت إلى «طريق مسدود»)، ويمكن أن نعزو ذلك إلى تمسك كلٍّ من روسيا وأوكرانيا بما تريد تحقيقه من أهدافٍ في هذه الحرب، فالأولى تتمسك بما أمسكته من مقاطعات أوكرانية، مع شبه جزيرة القرم التي لن تفرط بها أبداً، والثانية، تصرّ على استعادة كلّ شبرٍ من أراضيها.
وهنا علينا أن نتذكر بما قد يمكن الجزم به، بأنه لولا الدعم الأميركي والأوروبي لأوكرانيا خلال ما يقارب العشرين شهراً من عمر هذه الحرب، لابتلعت روسيا بما تريد من أراضي أوكرانيا، وبما يضمن عدم تهديد الأمن القومي الروسي، ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وإنشاء قواعد عسكرية له على الحدود الروسية – الاوكرانية، لصد أطماع التوسع الروسي بالدول الأوروبية المحاددة لأوكرانيا.
أول المتململين من الدعم العسكري لأوكرانيا، كانت أميركا، إذ صوّت مجلس النواب على تقديم الدعم العسكري للكيان الصهيوني، ونحّى جانباً التصويت على المساعدات العسكرية بعشرات مليارات الدولارات إلى أوكرانيا، تلك هي السياسة إذن، التي يقولون إن القاعدة الأولى فيها «ليس هناك أصدقاء دائمون، بل مصالح متبادلة».
التخلي أو عدم الاهتمام الأميركي، يدق أجراسه بقوة كلما اقتربت حملة انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني من العام المقبل.
المفارقة أن «التعب» الغربي من دعم أوكرانيا، لاحت بوادره قبل أن تشنّ حركة حماس هجومها على الكيان الصهيوني.
وتذكر الكاتبة سنية الحسيني في صحيفة «الأيام» البحرينية «أن تعويل روسيا على تسرب التململ واليأس من قبل الدول الغربية، التي تقود الحرب فعلياً، بدأ يلوح في الأفق».
وتذكر الكاتبة في المقالة ذاتها، المنشورة بتأريخ 5-10-2023 والمعنونة «التراجع الغربي عن تمويل الحرب.. هل يعكس قرب نهايتها؟»
أن دولاً أوروبية مثل سلوفاكيا والمجر وبلغاريا وبولندا، بدأت تعارض استمرار دعم أوكرانيا، من دون بوادر لانتهاء الحرب على المدى القريب.
والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا حتماً، لماذا التوجه الكامل للبوصلة الاميركية والغربية نحو دعم الكيان الصهيوني في حربه الهمجية ضد الفلسطينيين، هل هي الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، المنطقة الغنية بالبترول، فضلاً عن المضائق البحرية، التي يمكن التحكم من خلالها بطرق الملاحة البحرية الدولية.
هذه المنطقة بميزاتها تلك، يقع الكيان الصهيوني في قلبها، وهو الحارس الأمين للمصالح الغربية.
زدْ على ذلك أن أميركا والغرب استنزفوا روسيا بوتين، الذي يريد إعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق، وذلك ما لا يريده الغرب فشنوا عليه حرباً اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ العالم، إنها الحروب بالوكالة أيضاً، عبر بوابة أوكرانيا، فضلاً عن أن حرب الشرق الاوسط قد تطول أيضاً، فأرسلت أميركا حاملة طائرات وغواصة نووية إلى المنطقة، خشية التصعيد الشامل لحربٍ مضادةٍ لهذا الكيان إذا استمر في حربه الوحشية ضد الفلسطينيين لغرض إبادتهم وإجبارهم على التهجير القسري تنفيذاً لمخططاته التوسعية في مدّ نفوذه من النهر إلى
البحر.